حلقـ(10)ـة

غلطة جاثوم
الثلاثاء
6:00 صباحًا
صحوت من النوم على صوت طرقات والدي على باب الغرفة لنستعد للصلاة وللمدرسة ، قمتُ سريعا حين تذكّرت حلم بالأمس ، وذاكَ الشاب الأسود ذو العيون الفنجاليّة ، اقتربت وووقفت فوق المكان الذي حصل يه الحلم ، كان الحلم واضحا لدرجة كبيرة إلى درجة أستطيع تحديد المنطقة التي كنت منسدحة على ظهري وكان ذاك الشاب في المنطقة أدخل قليلا للداخل ، قريبًا لأعلى الغرفة .

بدأتُ أتحسس المفرشة لعلّي أرى أثرًا يُؤكد أنّ ماصار بالأمس حقيقة لا حلم ، مرّرت رجلي فوق صوف السجاد ، طمعًا أن أجد أثرا يُظهر انحراف الصوف للأعلى من أثر سحبي بقوة فوقها ، لم يظهر لي شيء واضح على السجاد ، وسمعت صوت والدي يرتفع مرة أخرى مقتربا فتحركت لإيقاظ باقي أخوتي وأستعد للمدرسة .

تخطيت الغرفة للباب لأتوضأ لصلاة الفجر ، وصورة ذاك الشاب الأسود يسحبني ، واحتكاك السجاد بجسمي مازلت أشعر برجفة منه ، ضيقٌ في صدري وتوجّس شر من الحلم ، أخذت الأحلام في الأخير طابعا يماثل الحقيقة كثيرًا جدا حتى أني بدأت أكرر على نفسي أنه حلم وأن الحقيقة بخلافه .

تسحبت في الدرج مع أخواتي وبنات جيرانا ، ركبت السيارة ، إلى أن دخلت فصلي ، وصورة ذاك الشاب أمامي ، واضحة تماما ، كانت مشغلتني مرة ، ومازلت أتذكر نظراته من تلك العيون التي تجعلني أشعر بشر كثير داخلها ، إلى هذه اللحظة أراه جيدا ، الغرابة تكمن في صورته صحيح ، ولكن حفظي لصورته إلى هذه اللحظة لا أدري ماسببه ، لو رأيته وأنا مستيقظة لما حفظت شكله بهذه الصورة .

رنّ جرس الفسحة ، وكأنك يابو زيد ماغزيت ، لم أفهم شيء من الحصص الثلاث التي مرت ، أسبح في عالم آخر ، مع حلم جديد من تلك الحلام الغريبة .

عدتُ لعادتي في الانفراد بعيدا عن الجميع ، وزميلتي تلك انفردت معي ، لكن غيرنا مكاننا ، جلسنا في سيب طويل يعلو الساحة تلك بدرجات قليلة ، جلسنا قرب المعمل ، حيث تقلّ الرجل وتكاد تنعدم ولا أحد بقربنا ، ولا يرانا من في الساحة إلا لو وقف واقترب .

في نظراتها كان حديثا وفي عينيها تساؤل انتظرت تفصح عن شيء مما أحسست به ، ولكن كان كلامها يدور حول سؤال عن الحال وكيف النوم وكيف القرآن معي .

كانت نفسيتي أهون من تلك المرة التي أنهرت فيها ، دوما البداية صعبة ثم يهون كل شيء ، بدأت أسرد عليها حلم الشاب الأسود ، ونظراته ، وسحبه لي بذاك الشكل الغريب ، وإحساسي باحتكاك المفرش في جسمي بصورة تكاد تكون حقيقية ، وكيف اختفى بعد أن نطقت بكلمة ( أعوذ بالله ) ، والتي قلتها دون تفكير ولكن جرى لساني بها فاختفى ذاك بسرعة مذهلة .

أخبرتني حينها مع شيء من اعتذار وتبرير ، أنها أخبرت والدتها بكل ماقلته لها ، وحضر الكلام أخوها الكبير ، وهي فعلت هذا متعمدة حتى تجد لي حلا ، أخوها - الذي فهمت أن له علاقة كبيرة بالمشايخ - ووالدتها لم يستطيعوا تحديد العلة ولا العلاج سوى قراءة القرآن ، ولأن الصورة المنقولة تصل مهزوزة تخلط وتعجن في الأحداث ، أشار عليها أخوها أن تُشير عليّ أن أكتب كل مامرّ بي في ورقة بالتفصيل ، وأخوهم يسلم الورقة لإمام مسجدهم ، وفهمت من كلامها ، أن إمام المسجد رجل مشهور ومعروف - نسيت اسمه وأظنني لو ذكرته لعرفه البعض - ، والظاهر أنه ممن يخرجون الجن ، ويميزون من به جني ولا لا ، وعالج حالات كثير .

أحسست بالراحة لهذه الفكرة ، وراقتني كثيرا ، لأني أريد من يسمع مني ويحلل الأمر ، يكون يفهم ويعرف ، لأني لن أقتنع وسأظل أشك بالتشحيص ، الكلام مع من لا يعرف الداء ولا الدواء لا يجني إلا مزيدا من الهمّ والشكك .

رنّ جرس الفسحة ، وكنتُ متفائلة ، وبنفسية جيدة ، بعد هذا الخبر منها ، وتمنيت أن يمضي الوقت سريعا لأعود للمنزل ، وأبدأ بكتابة رسالة مفصّلة بكلّ ما مرّ بي ، كنتُ محتاجة لهذا بشدّة ، وخصوصا أن الامتحانات النصفية على الأبواب بعد كم أسبوع ، وغالب المواد فاتني منها الكثير فهما ومراجعة ، فلهذا وددت أن أنتهي من هذا الهمّ سريعا ، قبل أن يُفاجأ الجميع برسوبي! .

في الحصة الرابعة أو الخامسة ، أقرّت معلمة الأدب والنصوص امتحانا علينا في الغد ( الأربعاء ) ، وعليه خمس درجات كاملة من درجات التقييم غير قابلة للتعديل ولا للخصم ولا للقسمة ، ورفضت تأجيله للسبت ، وكان مثار جدل كبير بين الفصول وقتها ، لأنه في كل المنهج ، والكلام واصل لنا من يوم السبت ، ورفضت المعلمة تأجيله ، وصارت هوشة ، ورفع للإدارة ، وانتهى بإلزام فصول أول - تأديبا - بالامتحان يوم الأربعاء .

حملت همّ هذا الامتحان ، وخصوصا أنّي في الفترة الأخيرة أهملت دراستي وفاتني الكثير ، سيأخذ الامتحان مني كل الوقت ، وكنتُ أريد التفرّغ تماما لأكتب تلك الرسالة لإمام المسجد ، أرجأت الأمر حسب الوقت ، إن أمكنني كتبت ، وإلا جعلت الرسالة وافية أكتبها في الخميس والجمعة ، كان هذا ما استقرّ عليه فكري ، وأخبرت به زميلتي .

رجعت للمنزل ، وبعد الغداء نمت سريعا رغبة في الحصول على ذهنٍ صافٍ للمذاكرة في المساء ، وكانت نفسيتي جيدة مع الشعور أن هذه المعضلة قريبا وتنتهي بالاتصال بإمام المسجد عبر الرسالة ، فـ ـنمت بنفسية جيدة .

استيقظت قبيل المغرب ، نشطة ، ونفسية عال العال ، وما إن أذّن العِشاء إلا كنتُ متسربلة في شرشف الصلاة لأتفرّغ تماما للامتحان ، وبعدها افترشت مادة الأدب والنصوص ، وكرّ وفرّ عليها ، وسهرت في مذاكرة الامتحان ، إلى ان شعرت بإجهاد ذهني ، وبقي لي صفحتين أو ثلاث فتوقفت لأريّح قليلا !.

فكرت أن لو نمت فترة بسيطة ، او انسدحت قليلا ، ثم أواصل باقي الصفحتين ، ولا ضير لو ذهبت مواصلة وأرجع أنام لأنه آخر الأسبوع ..

توضيح خارجي : الغرفة التي ننام فيها ، تكون في شق البيت القديم ، وهي عبارة عن غرفتين فُتحتا على بعض ، وكُسر الجدار الفاصل بينهما ، وفيها ننام نحن البنات وأخواني الصغار الذكور ، كان فراشي دوما تحت نافذة بعينها ، وبجوارها نافذة أخرى على نفس الجدار الذي يقع يميني ، والجدار خلفي فيه نافذتان أخريان ، بينا الجدار الذي يواجهني لم يكن به نوافذ ، لأن وراءه داخل المنزل فلم يحتج لنوافذ ، والجدار الرابع الأخير بعيد في آخر الغرفة لأنه جدار الغرفة الثانية ، وفيه مكتبتان بها تحف وطاولة كبيرة عليها تلفاز <<< التوضيح لتخيّل الصورة مع الحلم (هي نفس الغرفة التي حدث فيها حلم الشاب الأسود) .

بعد أن تعبت ذهنيا في المذاكرة ، فكرت بالراحة المؤقتة ، فرشت فراشي في مكانه المعتاد تحت النافذة وتمددت عليه .

نظرت للساعة ، كانت 2:15 ليلا بالتمام ، نظرت للنافذة التي كانت مشرعة ، لأن أيامها كان وقت جو ربيعي ، فلم نحتج لفتح المكيفات ، أغمضت عيناني ، وصورة الستارة تطير بهدوء آخر مارأته عيناي ، وسكون وصرير خفيف يأتي عادة في الليل آخر ماسمعته أذناي .

أغمضت عيناي لثوانٍ ، شعرت بصفاء ذهني قوي وقتها ، بسبب نوم العصر وأكواب الشاي المتتابعة ، ووجدت النوم بعيدا عني .

بدأت أُمرر صفحات الكتاب في خيالي وانا مغمضة العينين ، وأراجعها بهدوء ، وأثبّت مامرّ بي من معلومات بتركيز شديد ، وأعيد صورة الأبيات في ورقة خيالية في ذهني .

بقيت على هذا الحال فترة قصيرة جدا ، بالكاد تبلغ دقيقة فقط ، من يراني بذاك السكون وإغماض العين يحسبني قد أخلدت للنوم ، ولكن ذهني كان شغالا وسريعا وصافيا ومتقدّا حينها ، أراجع ، وأعيد فتح الصفحات في ذهني تصوّر الأبيات مرصوصة تباعًا .

فجأة شعرت بثقل علاني !!!

كان الإحساس بثقل في الصدر ، أو بشيء يضم القفص الصدري بقوة ، بحيث تشعر أن صدرك سينفجر من الضيق ، مع الإمساك بالأطراف عن الحركة ! .

لم أعد أستطيع الحركة !!

كذبت نفسي في البداية !

توّني أراجع الأبيات !!

أنا لم انم في الأصل !!

متأكدة أني لم أنم بعد !!

على يميني ، مازلت أشعر بالنافذة مفتوحة ، والستارة تطير بهدوء ، وأخواني نيامٌ حولي ، أنا صاحية لم أنم بعد ، متيقنة من هذا ، وأشعر لو استطعت ان أمد يدي قليلا ، وأسحب جسمي قليلا ، سأصل لرأس أخي الصغير الذي يرقد بجواري دائما ، لكني لا أتحرك ولا أستطيع فتح عيني ولا الصراخ ، وعقلي متيقظ 100% ، وأشعر بالمسافات حولي ، وبمن على يميني ويساري ، وبالنافذة ، والستارة ، والسقف .

أول شيء فكرت به هو فتح عيناي ، حاولت ، ولكن للأسف لم أستطع ، وشعور الثقل على صدري يزداد بسرعة غير معقولة ، في ثوان كانت التغيرات تحصل ، بل في أجزاء من الثواني .

الفارق الوحيد الآن عن كل ماسبق ، أن هذا الشيء أتاني قبل أن أنام ، ظنّ أني قد نمت حين أغمضت عيناي وسكنت حركتي لمدة تزيد عن الدقيقة فبدأ لعبته البغيضة ، ولكن المفاجأة كانت من نصيبه هو هذه المرة !!!.

شعرت بأني قوية ، وبدأت أتعارك معه ، لا أدري كيف كنت أتعارك ، ولكني كنت أفعلها ، كيف ، لا ادري ، لم يكن العراك باليد ، ولا بالرجل ، ولا بالراس ، حتى لم اكن أصرخ بسبب شعوري أني أستطيع فكّ نفسي ، شعرت بنفسي قوة وجلد وقوة تفكير في الدخول في عراك معه ، ولم يكن مثل كل مرة ، إذ في كل مرة لا أستطيع أي حركة ، إلا هذه المرة شعرت ، وكان الحبال لم تكتمل اللف بي ، وتحركت مباغتة لهذا الذي يلف الحبال مما جعله يضطرب !! .

ربما لما كان يبدأ فعلته وأنا نائمة ، يوقظني ثقله بعد أن يكون احكم الرباط جيدا ، ولكن الآن فوجئ أني تحركت بسرعة وهو مايزال !! .

ما أقدر أحدد ماهية هذا التعارك الذي حصل بيني وبينه ، لا أدري ، ولكني أتعارك فعلا ، عراكا قويا ، وشعرت بأن الحبال لم تكن قوية محكمة ، أو لم يكتمل التكبيل ، وأحسست أن من يعاركني فوجئ بهذا بدليل ردة فعله التي أراد إخافتي بها ، أو ربما ظنّ أن هذا سيجعل المفاجأة من نصيبي ! أو لا ادري لما فعل ما فعل .
فُجعت حين شعرت بأني أرتفع ، نعم نعم أرتفع ، شعور يكاد يكون حقيقي لولا أني لا أستطيع أثبته وإلا هو ارتفاع بكل مشاعره ، نفس الأحاسيس ، ولكن دون أن أرى شيء ، شعرت بقلبي يخفق مع الارتفاع ، كما يحصل لو صعدت مكان مرتفع ، مثل جبل عالي ، مع الإحساس بكل ماحولي في الغرفة ، وبمكان كل شيء ، ومكان الجدران ، والنوافذ ، وفرش إخوتي .


ارتفعت إلى منتصف جدار غرفتنا ، وشعرت بالنافذة قربي ، حاولت مد يدي لأمسك بالستارة لكن يدي لم تتحرك ، وفجأة شعرت بجسمي يطير في كل الغرفة ، يطير بسرعة قوية جدا ، وكنت أشعر بأخواني نيام تحتي ، أعرف فرشهم وأماكنهم ، واحدا واحدا ، وكلما اقتربت من الجدارين الذي بهما نوافذ ، أحاول مد يدي لألمس الستارة أو النافذة نفسها ، لكني لا أستطيع لمس شيء ، لأن يدي لا تمتد بالأصل .

مع اللف بي في جوانب الغرفة ، كنت مدركة ومستوعبة لكل شيء ، وأشعر بنفسي ، وأعرف مثلا اني الآن أقترب لمكان النافذة المفتوحة ، وكان الهواء يدخل منها بقوة ، وأنا أدرك ان النافذة مفتوحة والمكيف مغلق ، عقلي شغال وقتها ومنطقيا لست نائمة .

حين اقتربت من النافذتين التين خلفي ، تذكرت أن على إحداها كنت قد علقت عبائتي وطرحتي من رجوعي للمدرسة ، نسيت أي نافذة فيهم ، ولكن حاولت مدّ يدي لعلي أمسك بالعباءة ، كطوق نجاة يوقف هذا الطيران المرعب الذي يكاد توقف قلبي من شدته ، لكن لا فائدة ، عيوني المقفلة وسواد حولي يجعل الأمر صعبا جدا ، لو استطعت فتح عيني ولو بمقدار نتفة من ملم لاستطعت تأكيد هذا ، ولكن عيناي ظلت مغمضة لم أستطع فتحها ، كل هذا مجرد إحساس ، مثل إحساس الأعمى بما حوله .

ثم شعرت بأني أرتفع أكثر ، حتى قاربت الوصول للسقف ، ثم بدأ يبطئ ، بدأت أحاول تحريك لساني ، لا أدري أي شيء نطقت ، الشهادة أم دعاء ، أم استعاذة ، توقف كلّ شيء فجأة ، فتحت عيناي ، وفي لمح البصر كنت أجلس على فراشي ، ويدي على صدري الذي يعلو ويهبط بصورة سريعة جدا ، وأنا أحاول لملمة أنفاسي وشتات نفسي واستيعاب ماصار للتو وللحظة !.

وجدتُ نفسي على نفس وضعيتي على الفراش ، مثلما نمت ، رفعت عيني للنافذة المواجهة لفراشي ، كانت مفتوحة ، والهواء ساكن ، والجو هادئ جدا جدا ، كأن أهل الحيّ أموات ، ولم يكن هناك تلك الرياح التي كانت تهب وقت طيراني ، رفعت عينيّ بسرعة للساعة المعلقة على الجدار خلفي كانت بالتمام 2:20 ليلا ، خمس دقائق !!! خمس دقائق فقط مرّت منذ أغمضت عيناي وطرت في الغرفة ، كل هذا فقط في خمس دقائق !!!! خلتها على أقل تقدير ساعة كاملة !!

جاءتني صورة ذاك الشاب الذي رأيته بالأمس في الحلم ، لا أدري لما انتابني الشعور أنه موجود في الغرفة ؟! شعرت بشيء غريب في الغرفة ، أو هو الجنون في وقتها مع الخوف مما صار .

قلبت ناظري في الغرفة لأجد إخوتي الصغار نيام ، والهدوء يعمّ كل شيء ، والظلام يعمّ المكان !! ، لا أذكر أني أقفلت النور ؟!! كان نور من الشارع يتسلل من النافذة ويضيء جانب من الغرفة ..

قلّبت ناظري حولي يمينا يسارا ، ناظرت جدران الغرفة علّني أراه ، كنت وقتها قد بلغ مني الاستغراب والاندهاش والإجهاد والتعب مبلغا عظيما ، أشدّ من الخوف ، ولو رأيته أمامي لقتلته من شدة مابي ، لم أكن أشعر بالخوف الكثير قدر رغبتي في قتل هذا الشيء الذي لا أعرفه ، كان عندي إحساس أنه ضعيف أو أني أقوى منه !! أو أنك تستطيع تفاجأه بما لا يتوقع !!

قمتُ بعدها بفعل جنوني ، جنوني بحق ، نعم الخوف يشلّ ويقتل ، ولكن قد تصل بعدها لمرحلة أنك لا تجد لك بدّ إلا بمواجهة ماتخافه ولو حتى قتلك ، مادام انه لا يريد أن يتركك .

نظرت للساعة كانت 2 والثلث ودقيقتين بعد منتصف الليل . قمت بذاك الفعل الذي لا أعرف كيف أصفه ، ولا لما فكرت يه في الأصل ، ربما هي فقدان الحيلة ، أو الغباء .

تحركت من فراشي بسرعة ، وفتحت اللمبة ، وأسرعت إلى إحدى النافذتين حيث علّقت عبائتي ، سحبت طرحتي ، وبدأت أضرب في كل الغرفة بالطرحة ، في كل فراغ في الغرفة أضرب بقوة بطرحتي ، وأدعو عليه بصوت منخفض وأنا أبكي ، أظنني كنت أقول " الله ينتفم منك ، ربي ينتقم منك ، الله ينتفم منك ، ربي ينتقم منك ، يا ظالم ، يا مجرم ، الله يخلصني منك " .

وكنت أتخطى حول فرش إخوتي الصغار النيام ، وفوق أجسامهم اساكنة ، وأنا أضرب في الهواء فوقهم ، أدعو عليه وأضرب في الهواء حولهم !! .

لا أدري هل كان شعورا مجنونا إحساسي أن هناك أحد موجود حولي في الغرفة ، لا أدري لما جاءتني فكرة الضرب بتلك الطريقة الغبية !! كنت أريد شيئا لينا يستطيع تخلل الهواء ، غباء مابعده غباء .

لو حركت لساني بذكر ، واستعاذة بخالق الجن ، لكفانيهم ربي ، ولو رفعت صوتي بقراءة آية الكرسي لفرّ مدحورا مخذولا حسيرا كسيرا محروقا ، لكن كان ذاك حيلتي ، هذه حيلة ضعيف الإيمان ، قليل الدين ، الذي لا يحوي قلبه شيء من ذكر الله ، ولا آيي القرآن ، ظننتُ بغبائي أني أستطيع بقوتي القليلة ، وبنيتي الضعيفة ، أني ساتغلب عليه بضربه بطرحة !! هو كان يكبلني كما لو كان من عتاة الرجال الأشداء الأقوياء ، بل كان يمثل عشرة رجال أقوياء !! كيف لهذا أن تهزّه ضربة بطرحة !!!

غباء من الإنسيّ حين يظلّ يراوح مع الجان ، ظانّا أنه أقوى ، ويظلّ يراوح معه دون أن يستعين بخالقه ، كبرا ، أو ضعفا ، أو قلة يقين ، مثل رجل بطريق هاجمه كلبٌ وأراد عضّه ونهشه وهو يدفعه بيده وبعصاة معه ، ويظل هكذا شهورا ، ذاك ينبح وهذا يهدد بعصاه !! ، مع أنه لو صرخ طالبا النجدة من صاحب الكلب لأمسكه عنه ولحماه منه !

رفعت رأسي فجأة ، حين كنت قريبة من أخي الصغير أضرب بالطرحة فوقه !! تنبهت أن النافذة مفتوحة على مصراعيها ، والستائر مُشرعة على عواهنها ، ومن الممكن لو نظر أحد من العمارة التي تقابلنا لرآني وانا أقوم بهذا الفعل المجنون الأبله !! وخصوصا ان النور الوحيد المضاء في وسط عتمة ذاك الليل هي نور غرفتنا َ!.

توقفت عن ذاك الفعل الغبي ، وجلست على فراشي ، وانخرطت في البكاء ، محتضنة طرحتي التي تستقبل دموعي الخائفة ، في وسط هذا الليل الأسود الذي ماكنت أظنه سينجلي ، شعرت بغبنة شديدة وضعف شديد .

سحبت فراشي لجانب فراش أخي الصغير ( 5 سنوات في الروضة ) ، ونمتُ معه ، وتلحفت بغطاه ، وأمسكت بيده الصغيرة طلبا لأمان ، وأحاول أبعد عن ذهني التفكير بما صار حتى يأتيني النوم .

حاجتي للخلاص منه في تلك اللحظة جعل ذهني يتذكر الرسالة !! كيف غاب عني هذا !

تذكرت طلب زميلتي أن أكتب كل مامرّ بي في ورقة لترسلها لذاك الشيخ في المسجد المجاور لمنزلهم ، تحركت بسرعة ، وسحبت حقيبتي القريبة مني ، سحبت ورقة من وسط أحد دفاتري ، وبدأت بالكتابة ، ولا أدري ما كتبت ، أو كيف أصيغ مثل هذا الشيء ، كانت كلماتي مبعثرة خائفة غير مترابطة ، كتبت كذا حلم مما مرّ بي ، والوقت يمضي ، ولكني كتبت بإسهاب وتفصيل ، انتهيت قريب من الساعة 3:40 ليلا .

دسست الورقة داخل أحد كتبي ، وألقيت جسدي المنهك على الفراش بجوار أخي الصغير ، ولساني يتحرك ويكرر آية الكرسي مرارا ، كل مرة بشكل غير الآخر ، ونمت على هذا ، ولم يأتني هذا الزائر البغيض ، وتركني أنام بلا تكدير ، وكل فكري في الرسالة هل ستصل للشيخ ولا ستعوقها معوّقات !! .
.

.

.

.
يوم الأربعاء
زائر غير متوقع .
بداية كشف الأوراق المخفية .