حلقـ(12)ـة>>
>>
منْ هُوَ ؟!
زائِـــــرُ اللّيْـــــل

رأيته جالسا على وسادتي ، كاشرًا عن أسنانه ، ينظر لي ، وفمه شبه مفتوح يستعد للعضّ !!!!



.


.


.


.

لم أتوقع ما رأيته !!
لم اتوقع أن أراه !!
في البداية لم أعرفه !!
كانت عيناي على وسعها !!
إلآ أني لم أكنْ أرى جيدًا !!
بعدها شعرت بخموووول شديد يلفّني !!
وحالة النوم تسيطر عليّ !!
والتعب الشديد !!
ومع أن الرعب والخوف يطيران النوم ..
إلا أنّ حبال النوم والخمول تسير بسرعة هائلة فيّ حينها !!

لم أستوعب أول شيء !!
لم أربط بينه وبين العضّ !!
كنتُ أتوقع شيئا كبيرا مهولا لا هذا الشيء !!
كنت أحسب نهايتي اقتربت وموتي وشيك ولكن لم أتوقع هذا !!
تمخّض الدبّ عن ........ !!
كنتُ أريد الابتعاد بنظراتي لشيء آخر !!
ولكن سمّر عينيّ عن الحركة تلك العينين الغريبة المتحفزة المترقّبة !!
بعد لحظة امتصصت بها المفاجأة ، تذكرته !!

هو هو نفسهُ !!
هو بعينهُ !!
وبلونه !!
وبطريقته التي يظهر بها !!
كما في المرة السابقة التي ظهر بها فجأة !!
واختفى أيضًا فجأة !!
لم أستطع وقتها تذكر متى ظهر !!
ولكنه كان قبل أيام ليست بالبعيدة !!
لا تدري من أين يأتي !!
ولا متى يأتي !!
ولا كيف يختفي !!
هكذا فجأة تراهُ أمامك ؟!

كان يجلس على الوسادة بطريقة غريبة !!
يجلس على مؤخرته على الوسادة رافعا نصفه الأعلى فاتحا فمه ينظر لي !!
ينظر لي فقط دون ان يحرّك رأسه !!
ثم بدأ يلحس شفتيه بلسانه !!

ذاك القط الرمادي المختلط بلون أسود ظهر فجأة فوق وسادتي !
تعب شديد !!
وشعور بالسقوط في دوامة !!
يجعل تفكيري بطيئًا جدًا !!
حاولت أتمالك نفسي !!
أخشى أن أسقط ويهجم عليّ مرة اخرى !!

مددت يدي بخوف ورعب وهززتها برجفه أمامه لعله يبتعد !!
وأيدت يديّ بالصراخ عليه !!
حاولت ان أخرج حرفًا من فمي !!
إلا أن صوتي لم يخرج !!
لم أستطع نطق حرف واحد من شدة الفزع !!
وهو في مكانه لم يتحرك !!
وكانه لا يرى يدي !!
إذ عينه معلقة في عينيّ !!
لا يحيد عنها !!

تذكرت الطرحة السوداء !!
كانت تحتي !!
فسحبتها وبدأت أهشها بشويش في جهته !!
وخرج همس خائف مني : هشش " !!
لم يتحرك !!
فبدأت أرفع صوتي !!
وأضرب بالطرحة حوله !!
خفت أن يصيبه شيء فيهجم عليّ !!
بدأت أضرب وأرفع صوتي : هششششششش .. " !!
تحرك ببطئ للخلف قليلا !!
فاستمريت بالضرب حوله بالطرحة وارتفع صوتي أعلى : هششششششششش .. "

كان يتحرك ببطئ شديد !!
ويدور حول نفسه دورة !!
ثم يتوقف ويجلس على قائمتيه الخلفيتين !!
يرجع خطوة واحدة للخلف !!
بطئ غريب في التراجع !!
استمريت في الهمس الخائف عليه ليذهب ويبتعد !!
وأكرر عليه الهمس والضرب بخوف !!
وهو يبتعد ببطئ شديد جدا !!

وصل الآن فوق وسادة أخي الصغير المجاور لي !!
وقف بطريقته الغريبة خلف وسادة أخي بالضبط !!
جلس على قائمتيه الخلفية بشكل غريب !!
وأخذ ينظر لي !!
كان أخي الصغير نائما ببراءة !!
لم يظهر على ملامح وجهه أي ضيق !!
بل كان نائما كملاك !!
الحمد لله !!

سمّر مكانه وثبت خلف وسادة أخي !!
ملاصقا للجدار !!
وبالقرب منه كان طرف عبائتي المعلقة !!
كان المنظر مخيفا والعباءة السوداء تتحرك ببطئ شديد حوله !!
وهو صامت وساكن !!
كل هذا وسط ظلام الليل !!
وسكون وهدوء قاتل !!
لو سقطت إبرة حينها !!
في ظنّي سأسمع صوت رنينها كطبولٍ في أذني !!

خفت على أخي !!
فضربت جهة عبائتي بالطرحة وأنا اكمل : هشششششششششششششش .. " .
رجع بعد فراش أخي للخلف قليلا !!
وجلس على قائمتيه الخلفية بشكل غريب !!
لم يكن على محياه أي سيما للخوف !!
ولا للفرح !!
كان أظهر الملامح التي تقرأها على وجه هذا القط العجيب وقتها هي سيما ...
التحفّز !!
والترقب !!

كأنه ينتظر الوصول لشيء !!

جلوسه على قائمتيه الخلفية !!
وترقبه !!
كان كفيلا لدفع الإنسان بقتله في وسط هذا الليل !!
مع هذا الرعب الذي سببه لي !!
ولكني كنت متعبة بشكل لا يقبله العقل !!
فقمت بأغبى فعل يفعله شخص مكاني !!

حينما رأيته توقف بعد فراش أخي !!
ألقيت نفسي على فراشي !!
أو رميت نفسي بشكل أصح !!
لأغرق في النوم في ثوانٍ !!
وبسرعة البرق !!
فقدت الحس والحواس !!
ودخلت عالم النوم !!
لا أظنني دخلت في هذا العالم المنامي دقيقة كاملة !!
ليعود لي شعور بالعض !!
فتحت عيني لأكتشف أن ذاك الخبيث عاد مرة اخرى لفراشي ليعضني !!
لم يكن الرعب يشلني كالأول !!
لم يعد مفاجئًا لي !!
فتحت عيني !!
وسحبت نفسي للأمام كالمرة السابقة !!
والتفت له رأيته على وسادتي !!
كأول مرة !!
ينظر لي فاغرا فاهه !!
كاشرا عن أنيابه !!

بدا حالي أفضل من سابقه !!
وبدأ الوعي عندي يتحسن !!
ضربت بالطرحة بقوة قريبًا منه !!
فتراجع للخلف قليلا !!
ودار حول نفسه دورة غريبة !!
ووقف عند فراش أخي كالسابق وقف على قائمتيه الخلفية !!
فكررتُ الضرب بالطرحة !!
وأنا أصيح بصوت عالٍ : هششششششششش هشششششششششش .. " .

مازال بطيئا جدا في حركته !!
تراجع للخلف !!
وتوقف في المنتصف !!
محل الجدار الذي كان قائما بين الغرفتين قبل كسره !!
كررتُ الضرب من بعيد !!
ساعدني طول الطرحة التي تتجاوز المترين والنصف !!
وأنا أصرخ به : هشششششششششش هششششششششش هشششش " .
ولكنه لم يتحرك !!
وبقي جالسا على قائمتيه الخلفية بين الغرفتين ينظر لي !!

شعور بالسقوط !!
وبداية الدخول في غيبوبة !!
رميت نفسي على الفراش !!
وفي أقل من ثانية كنت قد فقدت الإحساس بعالم الحياة !!
وعالم الناس !!
ودخلت في عالم السواد !!
والظلام !!

لا أظن مرت ثانتين على بعض !!
ليعود ذاك للعض !!
تجاوز المكان بسرعة !!
ورجع يعض ويعض ويعض !!

العضّ المتوالي الذي بدأ يأخذ طابع التوحّش !!
في نفس المنطقة من الرأس !!
خلف أسفل الأذن !!
قريب من الشريان الكبير الذي يغذي الرأس !!

وقتها كنت قد استجمعت شجاعتي !!
وذهب تأثير المفاجأة كثيرا !!
وقلّ تأثير الخوف !!
سحبت نفسي للأمام !!
ونظرت له جيدا !!
وكنت ألهت !!
وقف فوق وسادتي بالضبط !!
واتكئ هو على قائمتيه الخلفية ينظر لي !!
لا أدري ماذا ينتظر ؟!
ماذا يريد مني بإعادة العض !! .

الغريب كان كل إخوتي قبلي !!
تجاوزهم كلهم !!
ثلاث مرات يتجاوزهم ويعود لي !!
وقتها بدأت أفيق شيء من إفاقة !!
وبدأ عقلي يعي أن هذا مصدر الضرر !!
وأنه يعضّ ويؤذي وسيؤذي إخواني أيضًا !!
وأنه لن يتوقف !!
سيظل طوال الليل يعود لي !!

ضربت بالطرحة حوله بقوة !!
وبشكل متكرر ودون توقف !!
وأنا أكرر بصوت عال : هشششششششششششش ، هششششششش ، هششششش " !!
تحرك للخلف قليلا !!
ودار دورة ووقف عند فراش أخي الصغير !!
لم أتوقف وقفت بطولي الآن !!
وهو ينظر لي !!
كان هادئا جدا !!
لا يبدو عليه لا اضطراب !!

ولا خوف !!
ولا هلع !!

كانت معي الطرحة !!
وقفت فوق فراش أخي الصغير !!
وبدأت أضرب حوله وأنا أكرر : هششششششششششششش .. " .
كان يتراجع للخلف ببطئ شديد !!
ويعود يقف على قائمتيه !!
وينظر لي !! .
كنت أخشى الاقتراب منه كثيرا !!
ووقوفه بتلك الطريق تخيفني !!
كأنه يريدني أن أقترب أكثر !!
فلهذا كنت أسبق خطواتي بالضرب بالطرحة حوله لأضمن مسافة كبيرة بيننا !!

استمريت بالضرب حوله ودفعه وهو يتراجع للخلف !!
حتى تجاوزنا حدود الغرفة الأولى !!
نظرت للباب الموجود في الغرفة الثانية !!
كان مفتوحا على مصراعيه !!
( غرفو نومنا عبارة عن غرفتين مفتوحيتين على بعض وسدّ والدي باب الغرفة الداخلية وأبقى باب الغرفة الأخرى ) .

تابعت الضرب والتصويت عليه بهمس عالي : هششششششششش .. "
وهو يتراجع للخلف !!
وأول ماعبر ذيله باب الغرفة البعيد في أقصى الغرفتين !!
أقفلت الباب بسرعة !!
كنت أرتعد !!
وألهث بقوةة !!
وأشعر بجهد كبير بذلته !!
كنتُ متعبة لدرجة كدتُ أن أسقط مكاني عند الباب !!

تحاملت على نفسي بالقوة !!
حتى اقتربت من فراش أخي الصغير !!
واندسست داخل فراشه !!
وسحبت وسادتي !!
نمت معه في فراشه !!
ولساني يجري بأذكار لا أعرف ماهي !!
ولا ما كنت أقول !!
كنت أهلوس أي كلام !!
أقرأ وكأنها طلاسم وتعاويذ غريبة !!
كان لساني يجري بلا وعي مني !!
لم أكن في تمام اليقظة !!
إلى ان غاب الحس والعقل !!
ودخلت في النوم !!
ولم أشعر بشيء حولي !!
والحمد لله لمْ يأتيني بعدها !!
ونمتُ سريعًا ويديّ الاثنتين تحتضن يدي أخي الصغير !!
تطلب أمانا !!


بعض الجهل رحمة !!
ربما لو ربطت بين هذا القط والجن لما اقتربت منه البتة !!
ولربما متّ من الرعب والخوف !!
ولكني عاملته كقط عادي !!
مع كل ما لابس ظهوره واختفاؤه من غرابة !!
إلا ان من رحمة ربي بي أني عاملته كقط عادي !!
وهذا الذي جسّرني على دفعه !!
والضرب حوله بالطرحة !!
ظننته قطّا مصابا بمرض !!
ومهووس بالعض أو مؤذٍ !!
كان هناك شيء من ارتياح أنه لم يكن دبّا كما توقعت !!
ولا أسدا !!
ولا نمرا متوحّشًا !!
الحمد لله ..

هذا القط الرمادي المشبوب بسواد مختلط !!
قد أتقبله ان يظهر فجأة في النّهار !!
وعند باب المطبخ يموء جائعًا !!
وأمام أنظار الجميع !!
كل هذا من عادة القطط !!
وليس بجديد عليها !!
ولن يأخذ من تفكيري الكثير كونه ظهر فجأة !!
فليس كل شيء يعلمه الإنسان ويتعب في التفكير به !!
سأتركهُ للعالم بما خفي وبان !!

ولكن أن يظهر بعد منتصف الليل فجأة !!
وفوق فراشي !!
وعلى وسادتي !!
ويعضني !!!
المرة والاثنان والثلاث !!!

كيف تجاوز باب الدرج !
بل وتجاوز باب الشارع أيضًا !!
التفكير المنطقي يجبرك أن تقبل أنه كان متواجدًا قبلُ في البيت !!
وربما هو مختفٍ في البيت منذ ذاك الحدث عند باب المطبخ !!
ولكنها فترة طويلة !!
ثلاثة أيام مختفٍ فيها !!
أمعقول أن لم يره أحد منذ تلك المرة في المطبخ !

أين كان مختفيا طوال هذا الوقت !!
وكيف كان يأكل ويشرب !!
كيف يظل متواجدا بيننا طوال ثلاثة أيام !!
ولا يظهر إلا الآن !!
يخرج من جحره المختفي به في هذه الساعة من الليل !!
بل وبعد هذه المكالمة مع أختي في الذهاب للرقية !
يخرج من جحره كاشفًا نفسه !!
ويأتي ليعضني فقط !
وماذا سيستفيد من عضّي !!
تجاوز جميع النائمين على فرشهم !!
ومع أني في آخر الغرفتين المفتوحتين على بعضهما !!
يتجاوز الجميع ليأتي لي ويعضّني !َ

هذه التساؤلات إنما ألقيها عليكم الآن !!
وإلا وقتها لم يكن في ذهني شيء !!
وربما لم أفهم شيء سوى أني تعرفته فقط !!
بل وفرحت أنه ذاك القط !!
فبالطبع هذا أهون ألف مرة فيما لو ظهر لي أسد أو دبّ !!

هذا الحدث مرّ عليه سنوات كثيرة !!
ولا أجرؤ ولو في ذهني أن أتذكره خوفا منه !!
للآن لا أستطيع أن أتخيل مامرررت به !!
هل كان جنيًّا حقيقة وتلبس بقط وظهر لي !!
ولكن لما كان يعضّني !!
لما فعل هذا الفعل في الليل !!
بل وفي توقيت هام بعد مكالمة اختي !!

نعم كثيرون لم يحصل لهم هذا الترتيب الظاهر في الأحداث !!
ولكني أحكي لكم ماصار !!
لأني لم أنس شيئا مما مرّ بي تلك الأيام !!
مع بعد الأيام والسنوات !!
وفوقها لم يكن أحد ليفتح أمامي أبدا الكلام فيها !!
كان شبه حظر ومنع !!
وسترون هذا مع الأحداث القادمة !!
وحسنا فعلوا !!
هذا أفضل مافعله أهلي !!
حين منعوا الكلام أمامي في أي شيء من تلك الأحداث !!
فلا يجرؤ أحد على فتحه أمامي !!
ولم أكن لأفتحه من تلقاء نفسي !!

تلك الأيام نظرا لتسارع الأحداث في الأخير !!
لو لاحظتم الحلقات المتأخرة أحكي فيها أحداث يوم واحد ..
فلم يكن هناك فرصة للتفكير ولا لسؤال أحد ..
ولعامل السنّ أيضا ..
كنتُ على أعتاب السادسة عشر !!
سنٌ صغير أن يحلل مسألة معقّدة كهذه !!

ربما صغر السن هو السبب في كون ذاك الجاثوم مكشوفا !!
ظنّا أنه سيصل لما يريد لضعفي في التحصين من ناحية !!
وفقداني من حولي من ناحية !!
وصغر السن من ناحية !!
ظنّ أني لن أفهم !!
وظنّ أنه سيصل !!
وأخشى ما أخشاه هو الذي يدفعني الآن لكتابة ماحدث في تلك الأيام !!
لا أدري لما ينتابني هذا الشعور في آخر الحلقات !!
<<< بدت الهلوسة !!

تلك الأيام لم أحلل أبعادها !!
ولكن الان سأفعل في هذا الحدث بالذات !!
ظهوره وكشفه عن نفسه بهذه الطريقة الغبية !!
وبعد هذه المكالمة الهامة !!
يمكن التحليل مرة واثنين وعشرة وعشرين لأسباب هذا الفعل منه ؟!
في ظنّي أن هذا الجنّي حينما وجد الطريق مفتوحًا !!
فتاة من الإنس صغيرة !!
ضعيفة لا تحصين ولا قرآن !!
والحالة مناسبة جدا !!
حاول الدخول في جسدي !!
إلا أن هناك حائلا منعه !!
لا أدري ماهو !!
هناك سببٌ منعه أن يسلك سبل الجن في التلبس بالإنس !!
ولهذا كشف عن نفسه في الأخير بعد تلك المكالمة !!
وحاول الدخول بطريقة غريبة !!
عبر العض في شريان الرأس الكبير !!
لا أدري !!
هل كان نزول قطرات من دم من تلك المنطقة !!
يجعله تمكنهُ منّي سهلا ؟!

وأيضا السؤال الأهم !!
مالحائل الذي منعه من الدخول فيّ !!
لا يوجد حائل من ناحيتي أنا !!
إلا لو كان والدي يعوذنا في الليل ويقرأ علينا فلا أدري !!
قد يفعلها والدي رحمه الله لا أستبعدها عليه !!
لكني لست متيقنة للآن من هذا السبب !!

أتذكر بعد سنوات ، ربما بعد عشر سنوات من حادث هذا القط ، كنتُ في مجلس في بيت عمتي رحمها الله ، ومعنا بناتها ، وأخواتي ومنهم أوراااق كانت موجودة ، وكان في المجلس جارة لهم متوسطة في العمر مريحة الملامح صالحة الكلام ، وبدأ الحديث يدور حول قطط البيوت وعن الخلاص منهم والأذية ، وبدأت الجارة تتكلم عن القطط كلام طويل وطباع القطط وما فعلوه معها ، فذكرت لهم فجأة وبلا حساب : أن قطا من الشارع طلع بيتنا وفي الليل صحيت لقيته يعضني وجالس على فراشي ( بهذا الشكل ذكرته لهم ) .

تغيرت ملامح عمتي ، وكذلك الجارة ، قالت عمتي : بسم الله هذا جني " ، وبدأوا يسألوني وش صار بعد كذا ، كنت أرغب في إكمال الحديث ، إلا أني تذكرت كلام اختي الكبيرة وخالتي الكبيرة وتحذيري مرارًا من الحديث فيما مرّ بي ، لا أفتح بهذا حديثا أبدا مع أحد ، وأيضا جاءني رعب من تذكر تلك اللحظة ، فتشاغلتُ وقتها وقلت لهم " نسيت " ، وذهبت للمطبخ مع بنات عمتي ..

.
.
أعود لكم للأحداث في هذا اليوم الطوووويل في أحداثه ..>>

بعد حادث القط نمتُ كثيرا ، ولم أستيقظ إلا متاخرة ، صحيت بعد ماتغدوا كلهم ، واتلهوا ، ولا حد داري عن شي ، ولم يشكوا في حالتي بكون غالب حال البيت تطبع بطابع الحزن بعد وفاة الوالدة رحمها الله ، لم يوقظني أحد إلى قرابة العصر ، لم أرى والدي طوال ذاك اليوم ، لا أذكر لما ؟ ، ربما لم يرجع للبيت وتغدى برا ، لم أره أبدا ، ولم تتصل أختي طوال اليوم إلا بعد المغرب .

كان صوتها شاحبا ، وفهمت أنّها لم تنم بالأمس إلا بعد طلوع الفجر ، ولا أظنها نامت بصورة جيدة والتلفونات شغالة معها في الترتيب مابين خالاتي ومع أم أحمد ، أم أحمد جارة أختي وخالاتي امرأة كانت تقارب الخمسين رحمها الله ، أصيبت بالسرطان فيما بعد وتوفت ، امراة قوية الشخصية ، وثقة ، ويُعتمد عليها ، بمثابة رجلين ، وأمينة على أسرار أهلي ، وكانت تحب خالاتي كثيرا لمعروف فعلوه معها بعد سجن زوجها ..

على الهاتف كانت أختي متعبة ، وصوتها يضيع ، وواضح أنها طوال الليل والنهار وهي تتكلم وتتكلم حتى شدت حبالها الصوتية وتغيّر صوتها ، ولا أدري أهو من البكاء أيضا !!

لم أكن أريد أن أضيف على مخاوفها أن أحكي لها ماصار بالأمس ، ولكنها لما سألتني : كيف حالك " ، لم يكن من بدّ من الكلام ، ذكرت لها ماصار ، فسكتت ثم قالت بصوت شبه مخنوق وكانه شخص مقبل على البكاء : طيب خير " .

ختمت أختي كلامها بحروف شاحبة تكاد تتقطع حبالها : لا تفتحين فمك بكلمة ولا لأي أحد ، ولو اتصلوا ( .......... ) ولاّ ( .......... ) ولاّ ( .......... ) انتبهي تقولين لهم شي ، (تقصد أخواتي المتزوجات) ، حتى اللي في البيت لا تقولين لهم شي ، خليه عادي ينامون ولا كنه فيه شي ، وفي الليل من بعد الساعة 12 خليك مستعدة بنمر عليك بنشيلك .. " وقفلت .

شعور لا أعرف ماهو جاءني وقتها ، كانهم يقولون لك ستغادرين قريبا بيت أهلك إلى جهة غير معلومة !!! شعور بغربة وخوف وعدم أمان ، زاد في الأمر أنهم كانوا يتفقون ويرتبون من خلف ظهري ، كنت اظن نفسي وحيدة فلم يكن في الصورة إلا أختي فقط .

كنت أتمنى أسألها قبل أن تقفل ..
مين بيكون معنا من الرجال والحريم ؟!
مين هو ذا الشيخ ؟!
وأبوي مارح يكون معنا !!
لكني حبست كل هذا داخلي .

كان ذاك اليوم يوما ثقييييييييييييلا على قلبي ، النوم الملخبط إلى قريب العصر ، وماصار بالأمس ، وماسيصير بعد ساعات ، جعلني أشعر بالوقت يجري جريانا ضوئيًا خوفًا من القادم ، وفي نفس الوقت أشعر به بطيييييييييييء جدا .

أخواتي طوال اليوم يلعبن بالأقلام والدفاتر ، وشوي ينشدن ، وشوي يجرين في الدرج ، والعيال في الشارع ، والهمّ والخوف والرعب من القادم المجهول يطبّل طبوله داخلي .

الساعة 10 إلى 11 الليل كان الكل نايم في البيت ، وجلست أنتظر وحدي ، وبقيت على هذا الحال إلى الساعة 12:30 دقت أختي ، وقالت : خليك مستعدة شوي وبنجيك وبندق بوري بخفيف " ، وقفلت السماعة .

كان والدي نائما في غرفته ، إذ لم أجرؤ على فتح فمي بشيء ، ولا أدري لما فعلت أختي هذا ، شعرت بخطأ كبير ، ولكن لم أكن لأعارض ، سحبت نفسي ، وتسحبت لغرفة أخي النائم ، وسحبت مفتاحه ، وأسرعت للدرج ، وفتحت قفله ، وأسرعت أعدت له المفتاح واستعديت بعباءتي ..

الساعة 12:50 ليلا سمعت صوت بوري خفيف ، نظرت من النافذة ، كانت سيارة زوج اختي تقف أسفل المنزل ، بياضها يخالط سواد الليل ، ولم يكن في الشارع أحد ، أسرعت بالنزول أجري ، خائفة ، لا ادري أي مجهول سألاقيه ، كأني أسرق ، او كأني فتاة تهرب من بيت أبيها للمجهول !!.

عبرت باب الشارع وحين اقتربت من السيارة ، انفتح الباب الخلفي ، ونزلت امراة بعباءة السوداء ، عرفتها من لثمتها ، كانت أم أحمد ، أشارت لي لأدخل قبلها ، فدخلت في المقعد الخلفي ، ودخلت هي بعدي ..

كنت في المقعد الخلفي أجلس في المنتصف بين امرأتين ، على يساري جلست أم أحمد ، وعلى يميني كانت أختي التي لم تنطق بحرف حينها سوى أن شدت بقبضتها على عباءتي ، وشعرت بأظافرها تنغرس في فخذي ، وانتبهت لقبضتها الأخرى تمسك بمقبض الباب ، من حركة يديها فهمتُ أنها كانت في قمة الخوف والرعب .

انتظرنا ثوانٍ ، ثم انتبهت للباب الأمامي انفتح ، ودخل شخص وجلس قرب زوج أختي ، وتحركت السيارة بعدها بهدوء وسكون وصمت ولا همس دار ، والداخل ساكن صامت !! ولم يتكلم !! ولم أعرف من هو ؟! .

نظرت للجالسين في المقدمة !!
كان زوج أختي خلف المقود !!
لمحت فكه المتشنج ينبئك عن شخص محتار أو متردد أو خائف لا أدري !!
وكانت عيونه مثبتة على الطريق أمامه !!
كنتُ اتسائل ياترى وش يقول عني ألحين !!
وفي الكرسي المجاور له كان يجلس رجلا لم أعرفه !!
كان يلبس ثوبا بيتيا !!
ورأسه لم يكن عليه شيء !!
كان يشبه شكل أخي الذي سحبت المفتاح من ثوبه !!
ولكن لا يمكن أن يكون هو !!
كان يجلس على الكرسي شبه نائم !!
وأظنه نطق بهمهمة وقت دخوله أو شي غير مفهوم ثم صمت !!
ولم يرد عليه أحد !!

شقت السيارة البيضاء ظلام الليل منطلقة إلى شمال جدة في الساعة 1:00 ليلا ..
وفي ثوانٍ ابتلعنا الظلام .>>
.

.

.

.
ليلة لا كأي ليلة ..
عَالَمُ الرُّقَاة ، عَالَمُ الجَآنّ ، عَالَمٌ مُثِيرٌ ..