وقاية الفتاة من الانحراف العاطفي
الاثنين 05 ديسمبر 2011

سحر محمد يسري
سألت "رنا" أمها قائلةً:هل صحيح يا أمي الفتاة لابد أن تمر بعلاقة حب قبل الزواج ؟ أقصد..الحب الطاهر الشريف بنية الزواج ؟ وماذا عن التعارف عبر الإنترنت أو في الجامعة؟ وماذا عن التعارف عبر الإنترنت أو في الجامعة؟
وظلت الأم متحيرة أمام أسئلة ابنتها، تريد أن تعرف ما هي الإجابة الصحيحة في مثل هذا الموقف؟ وكيف تقي ابنتها من انحراف العاطفة وجنوح المشاعر؟
عزيزتي الأم..
كلام البنات يدل علي وجود كم من المغالطات الراسخة حول مفهوم الحب ، أولها تلك الأسطورة التي روجتها الأفلام والقصص عن قصة الحب العنيفة بين شاب وفتاه تنتهي بالزواج ويصبح هذا هو الحلم الذي تتمناه وتنتظره وتبحث عنه الفتاه في كل من يقابلها.
..فهل هذا هو الحب الذي فطر الله النفوس عليه، وجعل القلوب تتدفق به ؟ بالطبع لا.. ليس هو..!!
الحب ثمرة رائعة تنبت في حديقة الزواج، وتروي بماء حسن العشرة وتحاط بسياج الشرعية والعلانية ورضاء الأهل، أما تلك المشاعر المسروقة والمفتعلة والتي يدخل فيها الغش والوهم والتجمل الكاذب بنسب كبيرة فليست سوي شَرَك خداعي تنصبه الفتاة لنفسها ويكبل قدميها ويعيق خطوها الصحيح، فلماذا تبحث الفتاة عن تلك المعادلة الخاطئة، حب شريف يتوج بالزواج؟ ولماذا لا نجعلها زواج متكافئ يتوج بالحب الشريف ؟ [مقالة بعنوان "مشاعر مسروقة"، إيمان القدوسي)].
حاجة الفتاة الفطرية إلى الحب:
إن الفتاة في مرحلة المراهقة تحتاج إلى والديها [وخاصة الأم] أكثر من أي وقت مضى تحتاج إلى الحب والاهتمام، و إلى أذن تسمعها لتبثّها همومها ومشاعرها نظرًا لأنّ هذه المرحلة لها أهميتها في تكوين الشخصية السوية للإنسان، كما تتميز بالعاطفة الجيّاشة التي ينقصها النضج والخبرة الكافية، فهي تغضب بسرعة وتصفو بسرعة وتميل لتكوين صداقات مع الجنس الآخر وتتمنى وتحاول أن تدخل في ما يسمى بقصة حب..!! ومن هنا تحدث المشاكل.
لماذا تنحرف عاطفة الفتاة؟
- ضعف التربية الإيمانية للفتاة:
فكثير من الفتيات لا يعرفن أنّ للعواطف عبودية، وأن المحبوب الأكبر في قلب المؤمن والمؤمنة هو الله تعالى، قال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ} [البقرة:165] وينتج عن ذلك أن الفتاة لا تشعر بلذة العبادة؛ فتبتعد عن مجالس الذكر، وتقصر في نوافل العبادات، وبالتالي يكون الوازع الديني في نفسها ضعيفًا، وتكون محبة الله تعالى في قلبها ليست في المرتبة الأولى؛ فتجتاح قلبها الصغير الأغر عواصف الأهواء يمينًا ويسارًا .
- الشعور بالدونية وانخفاض تقدير الذات:
أثبتت الدراسات الأكاديمية أنّ السبب الأول في معظم حالات الانحراف والفشل؛ دراسي، اجتماعي، خلقي، عاطفي، يرجع إلى الشعور بالدونية وانخفاض تقدير الفتاة لذاتها؛ فهي في الحقيقة مهلهلة من الداخل، لكنها تخفي ضعفها وشعورها بالدونية، وهذه الفتاة تكون في حالة تعطش شديد لمن يرد لها اعتبارها، ويمنحها الشعور بقيمتها في الحياة، فنجد أنّ مناعتها (صفر) أمام أي ميل أو كلمة إعجاب من الجنس الآخر، ومن السهل جدًا أن تتحول مشاعر الميل إلى عاطفة قوية يصعب السيطرة عليها من البنت نفسها قبل أي طرف خارجي..!
- وسائل الإعلام:
من أكبر الجرائم في حق الأبناء تركهم أمام وسائل الإعلام بدون توجيه أو توعية، ومعلوم ما تبثه الكثير من الفضائيات من فنون نشر الرذيلة، وقد أكدت الدراسات أنّ القنوات الفضائية من أبرز الأسباب التي تهيج الشباب والفتيات وتدعوهم إلى الانحراف العاطفي بدعوى الحب بين الفتاة والشاب..! لأن المضمون والمحتوى الفكري والثقافي الذي يقدم للأطفال ـ وبخاصة البنات ـ منذ نعومة أظفارهم يؤثر حتما في بنائهم النفسي، وتكوينهم العاطفي والوجداني، ويمثل لهم أنماطا سلوكية ونماذج عملية يقتدون بها ويحبون التشبه بها في حياتهم العملية.
وفي دراسة علمية أجريت على عينة بلغت خمسة آلاف من المراهقين والمراهقات ذكر نحو70% من الفتيات أنهن يتأثرن بشكل بالغ بالممثلات والمغنيات، وأبرز نقاط التأثر هي الملابس، وقصّات الشعر، وطريقة الحديث، وأنماط المعيشة وما تعكسه من قيم ومثل وأفكار وثقافات.
كما ذكر نحو80% من الأولاد أنهم يتأثرون بالرياضيين كلاعبي كرة القدم والمصارعين، وأكد نحو65% منهم أنهم يتأثرون بالممثلين، وأكد جميع أفراد العينة أنهم يتأثرون بشكل أو بآخر بما يتلقونه عبر وسائل الإعلام المختلفة.
الإنترنت:
وهو العوالم الجديدة التي دخلت حياة الفتيات في عصرنا بل في داخل غرفتها الخاصة، وجعل سبل الاتصال بالعالم المفتوح بلا حدود ولا ضوابط يقدر فيها الصالح من الطالح.
الصحبة السيئة:
رفيقات السوء من أهم أسباب انحراف الفتاة عاطفيًا، والذي يترتب عليه غالبًا نوعًا من الانحراف الخلقي، حيث تزين صديقة الفتاة لها الأمر وتحكي لها مغامراتها مع من تحبه؛ مما يكرس لفكرة أن الحياة لا تكون جميلة بدون هذا النوع من الحب في ذهن الفتاة؛ ومن ثمّ تبدأ في التقليد والمحاكاة لها. وإذا ازداد الأمر سوءًا وكان الانحراف العاطفي من نوع التعلق بنفس الجنس مثل تعلق الفتاة بزميلتها، أو مدرستها تعلقًا مرضيًا فهذا قد يفضي إلى انحرافات خلقية فادحة قد تصل إلى هاوية الشذوذ عياذًا بالله.
والوقاية تأتي مبكرًا..من خلال النقاط التالية:
- الاهتمام بطفولة البنت:
يذهب كثير من الباحثين إلى أن المراحل الأولى من نمو البنت -وخاصة في الجانب النفسي - هي أهم مرحلة في بناء شخص الفتاة، وإذا علمنا أن السنوات الخمس الأولى من عمرها إنما تقضيها بين أحضان أسرتها فإن المسؤولية الوالدية تتأكد في هذه المدة، وإن من أهم واجبات الوالدين تجاه البنت توفير الدفء و الحنان و الشعور بالأمان و الرعاية النفسية بما يجعلها تقتنع بأنها في عالم لا ترغب في التمرد عليه أو الاستغناء عنه، أو البحث عن بدائل أخرى أكثر تجاوبا و تفهما لنفسيتها و حاجاتها. [د.عدنان حسن باحارث، ملف التربية الخلقية للفتاة، موقع د.عدنان باحارث على شبكة الانترنت].
- الإشباع العاطفي للفتاة داخل الأسرة:
بشكل متوازن وحميم في الوقت نفسه، وقدوتنا في الطريقة المثلى لتربية البنت والعناية بوجدانها ومشاعرها المرهفة هو خير من ربى البنات والبنين نبينا محمد صلى الله عليه وسلم؛ إذ كانت بناته وحفيداته وربيبته محل اهتمام ورعاية كبيرين منه صلى الله عليه وسلم، فقد أخرج الحاكم عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (ما رأيت أحدا كان أشبه كلاما وحديثًا من فاطمة برسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت إذا دخلت عليه رحّب بها وقام إليها فأخذ بيدها فقبّلها وأجلسها في مجلس) [حديث صحيح].
- تفهم الوالدين للمرحلة التي تمر بها الفتاة:
الفتاة المراهقة تملك ما يملكه الكبار من أنواع الانفعالات وتدرك ما يدركه الكبار من الشعور بالاستثارة العاطفية، فهي تحب وتكره، وتهدأ وتغضب، وتتأنى وتتعجل، وتجرؤ وتخاف، ولهذا فهي لا تستقر في انفعالاتها ولا تكون واقعية في التعبير عنها..وهذه الميزة لدى الفتاة المراهقة من الاستعداد الكبير للاستهواء، وسرعة الاستثارة، وهشاشة الانفعال، وغزارة العاطفة، والفراغ النفسي المستعد للامتلاء لابد أن يوجّه من قبل الوالدين إلى الوجهة الصحيحة السليمة، ويضبط ليخرجا فتاة قوية، طموحة، منضبطة، متعلقة بالمثل العليا، والنماذج الرائعة في تاريخ أمتها..تعرف كيف ترحم؟ ومتى ومن ترحم؟ وكيف تحب؟ ومن تحب؟ ولماذا؟ وهكذا. [دور الوالدين في تنشئة الفتاة المسلمة، حنان الطوري ص(235)].
- بناء الضمير والرقابة الذاتية في نفس الفتاة:
في سن الخامسة عشرة وما بعدها – وهي توافق المرحلة الثانوية والجامعية – تكون استعدادات المراهق- المراهِقة- العقلية والنفسية في حالة تكامل ووعي؛ فإذا استثمرت هذه الاستعدادات أمكن بناء المراقبة الذاتية في شخصيتها مبكرًا، ولعل ذلك يظهر جليًا من خلال تربية النبي صلى الله عليه وسلم لابن عمه الفتى الصغير "عبد الله بن عباس" رضي الله عنهما في هذا الحدي العظيم: عن أبي العباس عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال كنت خلف النبي صلى الله عليه وسلم يوما فقال لي: (يا غلام إني أعلمك كلمات احفظ الله يحفظك احفظ الله تجده تجاهك إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك إن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك رفعت الأقلام وجفت الصحف) [حديث حسن صحيح]. [علم نفس النمو، د.عبد العزيز النغميشي ص(238)].
وأخيرًا عزيزتي الأم
إن تربية الفتاة على التدين منذ الصغر هو صمام الأمان الذي يغرس في نفسها الثقة بالنفس، وأنها أهل للمسئولية الأدبية تجاه نفسها ووالديها وأمتها بحفاظها على سيرتها الحسنة وسمعتها الطيبة..حفظ الله بنات المسلمين من كل سوء آمين.
المصادر:
- التربية الخلقية للفتاة المسلمة، د.عدنان حسن باحارث
- الدور التربوي للوالدين في تنشئة الفتاة المسلمة، حنان عطية الطوري.
- علم نفس النمو، د.عبد العزيز النغميشي
- مقال بعنوان "مشاعر مسروقة"،إيمان القدوسي – شبكة الانترنت.