بسم الله الرحمن الرحيم
" المسيار إلى الانهيار" ..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد ..
موضوع زواج المسيار الذي كثر فيه الأخذ والرد وافترق الناس فيه إلى فرقتين ما بين مؤيد ومعارض .. الفريقان معهما حق فيما ذهبا إليه إذا عرفنا نقطة الخلاف التي لم يدركها المختلفون وأنها شعرة تفصل بين القولين إذا أزلناها تلاقت الأقوال وأتلفت ..
طبعاً من حيث نظر الشرع بالنسبة لمشروعية الزواج جائز لاكتمال الشروط في زواج المسيار .. وفي المقابل فإن الرأي الآخر يرى بأنه لا يصح أن يأتي الرجل زوجته لقضاء وطره فقط وتقف العلاقة بينهما على قضاء تلك الشهوة وتستمر على هذا الحال .. وهذا يتعارض مع المصلحة التي من أجلها شُرع الزواج يقول الله عز وجل : (ولا تنسوا الفضل بينكم ..) الآية .. فأي فضل يكون بين الزوجين في المسيار .. وقال صلى الله عليه وسلم :"كلكم راع وكل مسئول عن رعيته .." الحديث .. وأي رعاية سيرعاها بحق أزواج المسيار ..
أقول : العلاقة بين الزوجين عظيمة والحقوق بينهما كبيرة جداً وتكوين الأسرة تحتاج إلى مراحل وعوامل تساعد على تكوينها وسلامتها وتقوية بنيانها من الانهيار .. وترجيح مصلحة غض البصر وحفظ الفرج بزواج المسيار مع غض الطرف عن مآل الأسرة المهدد بالانهيار .. لا شك أنه حل ناقص يحتاج إلى إعادة نظر وتأمل ولا يتوافق مع حكمة شرعنا المطهر .. فلو نظرنا إلى الحل المطروح في نفس الحديث الآمر بالزواج بأنه في حال عدم استطاعة من له باءة على الزواج فإنه مأمور باللجوء إلى الصيام .. فهو حل شرعي لمشكلة متوقعة ولم يغفلها الشارع الحكيم .. وإذا بحثنا أيضاً عن حل آخر لمشكلة العنوسة أو من لها ظروف خاصة من النساء وتحتاج إلى مسيار فلا بد وأن يكون سليماً متوافقاً مع الشرع أو على الأقل ننتقل من الخوف من وقوع الضرر إلى الأخف ضرراً وليس إلى الهاوية .. ولو سألنا أنفسنا ؛ لماذا حرم الإسلام زواج المتعة ؟! ووقفنا مع هذا السؤال كثيراً .. لعرفنا سر المسألة ..
إذاً ما بين الشروط والمصالح وقع التعارض بين الأفهام ..وضاعت نقطة الخلاف بين الأنام ..
أقول وبالله التوفيق وعليه التكلان .. لنتأمل طريقة أم سلمة رضي الله عنها في إسقاط حقها لضمان بقائها في عصمة النبي صلى الله عليه وسلم ونقيس تلك الحالة على طريقة زواج المسيار في عصرنا .. سنرى هناك اختلاف يسير لم يتفطن له المختلفون .. وهو بأن زواج مسيار اليوم ليس قاصراً على شكلية المسيار فقط بل تعدى إلى وقوعه "سراً وخفيةً دون إعلان" .. هذا هو مكمن الخطر .. ومربط الفرس .. وسر وجوهر المسألة .. والتي تقلب الموضوع رأساً على عقب .. وهو كون العلاقة سرية بين الرجل والمرأة تتشابه إلى حد ما - العلاقة المحرمة - ذلك بأن العلاقة بين الطرفين تكون في حقيقتها ضعيفة جداً يكاد يتفقان كليهما على أن الأمر متعة وقتية وأنها لن تدوم في قرارة أنفسهما .. وهذا ما تشعر به المتزوجة بالمسيار خاصة .. كونها مهددة بالطلاق في حال علم أهل الزوج .. وهو الذي دندن حوله المغرضون من الرافضة لتقاربه من زواج المتعة من هذه الحيثية ..
سؤالنا ؛ لماذا يخاف الرجل من إعلان الزواج؟! هي شعرة في المسألة وخيط رفيع جداً ينبغي التدقيق فيها وتقريب النظر إليها من خلال الميكرسكوب المجهري النفسي العقلي ..
فالجواب : بالطبع .. خوف الرجل من زوجته الأولى هو الدافع الحقيقي للتخفي .. نعم .. نعم .. فإنه حال ما ينكشف الغطاء .. ويتبين للناس بأن هذا الرجل وقع في المسيار.. ينصب البلاء على الزوج .. بل ويزداد الأمر سوءاً إذا علمت به الزوجة الأولى .. فيا ويله ويا سواد ليله .. تبدأ المعركة .. وتبدأ فرائصه بالارتعاد.. وينهال من جبينه العرق صباً .. فما إن تقابله زوجته الأولى إلا ويحاول المسكين تبرير فعلته .. ماسكاً بيدها طلباً للرحمة .. والزوجة لا تلوي على فهم قصده .. أو عقد صلح يحل مشكلته .. بل تصر على أن ينفض النزاع بطلاق أحدهما .. يتمنى أن الأرض ابتلعته ولم ير زوجته بتلك الوحشية .. يحاول نزع فتيلها .. لكنه في الأخير .. يتجه تفكيره إلى تلك المسكينة .. المخفي أمرها .. القابعة في بيت أهلها أو جحرها .. فيطلقها .. هانت لما هان أمرها..
أقول : أتعجب كثيراً من قبول أولياء الأمور للرجل الخائف من إعلان النكاح !!..
ألا يدركون الضعف في شخصية هذا الرجل .. نعم .. أقول ضعف في شخصيته.. ولو كان الأمر متعلقاً بالضعف من جهة المال أو المعاشرة إذاً لأسقطنا النفقة والمبيت فقط ولكان مطابقاً لحال أم سلمة رضي الله عنها التي وهبت ليلتها لعائشة رضي الله عنهن أجمعين لمصلحة بقائها في عصمة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.. أما إخفاء النكاح فهو خلاف الشرع الآمر بالإعلان .. ولا يستحق الرجل الجبان الزواج أصلاً أو أن يُزوج لأنه يهدد بيت الزوجية بالسقوط في أي وقت .. إنما القوامة للقادر على القيام بالحقوق كلها .. المتصف بالقوة والشجاعة والتي بهما يتحقق العدل .. ((فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة ..)) .. فالخوف مانع من العدل ..
وكذلك كيف لأهل البنت أن يرضوا بدينه .. ومآله الوقوع في الكذب والتحايل على زوجته الأولى عندما يتعرض للمساءلة كلما طال غيابه أو اشتبهت في أمره .. وهذا يعتبر نقص في الدين ..
فللخوف نتائج سلبية عكسية على بيت الزوجية .. فكما أن البيت يضعف مع وجود الرجل الضعيف عندما تمسك المرأة بزمام أمور السلطة وتتسلط على الرجل الضعيف .. ويكون بيدها القوامة والمال .. يحصل الأثر السلبي والعكسي على جميع أفراد الأسرة .. وتنتقل العدوى أيضاً إلى الناشئة ..
وأتعجب من عدم لفت نظر أهل الزوجة أيضاً إلى مسألة أن تخفي المتزوج وعدم إعلان النكاح بابنتهم يُشعر بالانتقاص من قدر عائلتهم وذلك بعدم الاعتزاز أمام الملأ في إظهار الانتساب إليهم ..
إعلان النكاح .. احترام متبادل .. وأدعى لاستمرارية الزواج .. ومن ثم فإنه بالإمكان بعد صلاح حال الزوج أن يعطي الحقوق كاملة لزوجته الثانية من مبيت ونفقة .. طالما أن الجميع معترف بها كونها زوجته .. مضافة إلى بطاقته .. فثقلت لما ثقل أمرها ..
نداء إلى كل رجل عاقل بأن لا يجعل الدين جسر إلى إشباع غريزته ..
ونداء إلى كل من ولي أمر امرأة بأن يتعقل حال المتقدم للزواج .. ومآل الزواج إن وقع بينهما ..
ونداء إلى كل من قرأ هذا الكلام بأن يرد علي بالحسنى فيما أخطأت ويبين لي الخطأ .. وأن يبين للناس ما تبين له من حق فيما وافقنا فيه الحق .. والله هو الموفق والهادي إلى سبيل الرشاد .
أبو معاذ .. من قلب الرياض