السؤال أتمنى أن تُعرض هذه الأسئلة للدكتور محمد عبد العليم، عدا السؤال الأخير لأنه جلدي .
السلام عليكم ورحمة الله....
بداية أخص الدكتور محمد بإعجابي الشديد لأجوبته المتميزة الجامعة بين التشخيص الواقعي والسلاسة في الإجابة والجمع بين الجانب الشرعي والطب النفسي، فأسأل الله له التوفيق....
ولي الأسئلة التالية :

السؤال الأول: سمعت أو قرأت – لا أذكر تحديدا – أن بعض المواقع اللا أخلاقية تحتوي بالإضافة إلى المواد الإباحية، مواد أخرى دموية عنيفة فيما يسمّى بالرعب المعوي، ويتمثل ذلك بصور أشلاء وجثث مقطعة وحوادث بشعة، ويبرّرون فعلتهم تلك بأن هكذا مناظر تعمل على تطهير الروح – بهذا اللفظ – وتنقيتها، وبغض النظر عن هذا (القيء الفكري) إلا أنني لا أخفي الدكتور دهشتي البالغة من هذا النمط في التفكير والتعليل الغريب، فما هو تفسير الدكتور للكلام السابق؟ .

السؤال الثاني : أقول لك وبكل صراحة يا دكتور أنني منزعج أشد الانزعاج من زوجتي، لأنني أعاني من مشكلة ضخمة في الحجم فارغة من المحتوى، كفقاعة صابون، إنها مشكلة نغصت عليها حياتي، وقد تستغرب يا دكتور إن قلت لك أن المشكلة منشؤها من الصراصير - خاصة تلك الكبيرة منها ذات الحجم العائلي !!!- ، فزوجتي لم تكتف بالخوف من الصراصير، بل تعدّى ذلك إلى مظاهر نفسية أخرى أقوى من ذلك بكثير، زوجتي يا دكتور إذا رأت صرصورا في الصباح تصاب بالغثيان وقد تُصاب بالقيء، ولا تستطيع أن تتناول إفطارا ولا غداء ولا عشاء، لأنها تشعر بالصراصير في كل شيء وكل مكان، تتواثب خوفا وهلعا في كل لحظة، وتتخيل الصرصار في لقمة الطعام، بل لا تستطيع دخول المطبخ أصلا ولا عمل الطعام، ستقول لي أن أحاول التخلص من تلك المخلوقات، أقول لك - عبثا - حاولت ذلك، سددت كل الفتحات التي يمكن أن تظهر منها تلك المخلوقات المزعجة - حتى المراوح جعلت لها شبكا، وفتحة الباب الخارجي السفلية سددته، إلى غير ذلك من التدابير - ، إلا أنها تأتي من أماكن غير متوقعة لا يمكن السيطرة عليها، استخدمت أنواع المبيدات، إلا أن المشكلة تتمثل في وجود الصرصور بغض النظر عن كونه حيا أو ميتا، ثم إنها تأمرني برمي الصرصور بعيدا عنها فلا تقوم هي بذلك.

خلاصة القول أن ذلك أزعجني للغاية ....أتمنى أن أجد حلا نفسيا لهذه المشكلة، وأتمنى من الدكتور أن يسهب في إجابة هذا السؤال بالذات، لأنها أصبحت تؤرقني جدا .
شاكرين لكم اهتمامكم ودمتم سالمين .

أما السؤال الثالث: زوجتي تعاني من شيء جدي طرأ عليها في وجهها، وسوف أشرح بشيء من التفصيل حتى يكون التشخيص دقيقا، منذ سنة تقريبا بدأت تظهر نوعا من (النقاط السوداء) في وجهها، تلك النقاط ليس لها بروز (كالجدري أو الثالول ونحوهما) بل هي مجرد نقاط على مستوى الجلد، حجم تلك النقاط صغير جدا لا يتجاوز حجم نصف حبة الحمص أو أقل، لا تسبب حكة أو أي شيء من هذا القبيل، فما هي هذه النقاط يا تُرى؟ وما سببها وعلاجها ؟
علما بأن زوجتي لم تتجاوز الثالثة والعشرين من عمرها.
والشكر موصول لكم.


الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ المتعلم حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،

شكراً لك على ثقتك في الشبكة الإسلامية واستشاراتها، وعلى ثقتك البالغة في شخصي الضعيف، فبارك الله فيك، وأسأل الله لك التوفيق والسداد.

أخي: بالنسبة للسؤال الأول، هو فعلاً أمر مثير للعجب، ولكن يجب أن لا نستغرب كثيراً؛ حيث أننا في زمن العجائب.

هنالك نظريات نفسية كثيرة بعضها يُغالط بعضه، وقد بدأت هذه الأفكار منذ زمنٍ بعيد، فعلى سبيل المثال إذا رجعنا إلى ما ذكره العالم فرويد بالرغم مما قدمه للبشرية من بعض الإيجابيات، إلا أنه بلا شك حين حاول أن يفسّر كل السلوك الإنساني تفسيراً جنسياً كان هذا بلا شك أمراً مخلاً وأفقده الكثير من المصداقية، ولكن بكل أسف يوجد من أخذ بفكره ...وهكذا أصبحت تأتينا من وقتٍ لآخر مثل هذه النظريات المتناقضة.

هنالك نظرية نفسية تقول: إذا تعرض الإنسان وبصورةٍ مستمرة عن طريق الفعل أو السمع أو النظر المتكرر لحادثٍ ما مهما كان الحادث قبيحاً ومقززاً فإن ذلك سوف يعود بإيجابية عليه؛ حيث أنه سوف يتجنب مثل هذه المواقف، ولكن هذا الكلام لا شك أنه مردود عليه؛ حيث أن الكثير قد أخذ من هذه المواقف والمناظر العنيفة والغير مقبولة، مما أدى إلى أن يُصاب الكثيرين إلى اضطراب المسلك والسلوك .

وهذا في نظري جزء مما تسوقه هذه المواقع الإباحية واللاأخلاقية؛ حيث أنه لا يوجد لديها سقف يوقف الانحدار الأخلاقي، فالعملية عملية مطلقة، عنف وجنس وسقوط، وعدم اعتبار للقيم، هذا هو الذي أراه.

أما بالنسبة للسيدة الفاضلة زوجتك، فكما تعلم يا أخي المخاوف كثيرة ومتعددة، فهنالك المخاوف من الحشرات، والمخاوف من الطائرات، والمخاوف من المرتفعات، والمخاوف الاجتماعية، والمخاوف من المرض...كلها موجودة ومنتشرة .

الخوف من الصراصير شائعٌ جداً وسط النساء، وهو ظاهرة عالمية بدرجة كبيرة، ويُعتقد أن من يُعانون من هذه الظاهرة يكونوا في الغالب قد تعرضوا لنوعٍ من التجارب السلبية أو التخويف في أثناء الصغر.

العلاج بسيط، وقد يقول البعض أنه بسيط من الناحية النظرية وصعب من الناحية التطبيقية، ولكن أؤكد أنه بسيط بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى، وهو أن يتعرض الإنسان لمصدر خوفه، وأن لا يتجنب ويهرب من الموقف، والتعرض يكون أولاً في الخيال، ثم يكون في الواقع.

إذاً بالنسبة للسيدة الفاضلة زوجتك، أرجو أن تقرأ عن الصراصير كثيراً، وأرجو أن تنظر إلى صورها بصورةٍ متكررة، وتنظر إلى هذه الصراصير ببعض الإيجابية، فهي من مخلوقات الله ولم تُخلق عبثاً، فهي تسبح الله وتحمده ولكن لا نفقه ذلك، بمعنى آخر أرجو من زوجتك أن تنظر إلى هذه الصراصير نظرة أعمق من منظرها الخارجي (لماذا خلقت؟) وفي نفس الوقت لا بد لها أن تحقر فكرة الخوف عندها، وتبني في نفسها مشاعر جديدة أن هذا الخوف لا أساس له، بل على العكس هو مضحك وسخيف .

عليها أن تفكر بتأمل متكرر لمدةٍ لا تقل عن ساعةٍ في اليوم، ويمكن أن تقسمها نصف ساعة في الصباح ونصف ساعة في المساء.
هذا التعرض في الخيال والنظر إلى الصور يُعتبر شيئاً ضرورياً جداً، ثم بعد ذلك يمكنك أنت أن تلعب دور المُعالج المساعد، فيمكنك أن تقوم بمسك الصرصور في يدك، وأن تكون زوجتك على بُعد مسافة عشرة أمتار منك، وتجعلها تنظر إليك وأنت ماسكٌ بالصرصور، وتطلب منها أن تنظر إليه، ثم بعد ذلك تُقرّب المسافة في اليوم الثاني ....وهكذا .

إذاً: بدأنا في مرحلة التعرض العملي، وإذا كان هنالك أي نوع من ألعاب الأطفال التي هي في شكل صراصير، فيمكن أيضاً أن تحضرها لزوجتك وتجعلها تتلمسها وتضعها في يدها وتقبض عليها، ومع ذلك تفكر في أن فكرة الخوف هي في الأصل فكرة سخيفة، وتستمر معها في هذه البرامج، وصدقني إذا طُبقت هذه البرامج بصورةٍ صحيحة ستصل زوجتك للمرحلة التي ينخفض عندها الخوف منن الصراصير بدرجةٍ كبيرة، وذلك بعد أن يحدث ما يُعرف بفك الارتباط الشرطي .

توجد الآن أدوية تُساعد كثيراً في زوال الخوف، والدواء المفضل هو زيروكسات، وجرعة البداية هي نصف حبة ليلاً بعد الأكل لمدة أسبوع، ثم تُرفع الجرعة إلى حبةٍ كاملة لمدة شهرين، ثم حبة ونصف في اليوم -أي 30 مليجراماً- لمدة ثلاثة أشهر، ثم بعد ذلك تخفّض الجرعة بمعدل نصف حبة كل أسبوعين حتى تتوقف عن العلاج الدوائي .

أرجو أن تُساند زوجتك، وأن تكون أكثر صبراً، وأن تطبّق معها هذه البرامج بصورة ٍمتكررة، ولا أرى أن قفل الشقوق الموجودة في المنزل أو مصادر دخول هذه الصراصير سيكون حلاً، إنما الحل هو أن تواجه هذه المخاوف ولا تبتعد عن مصادرها؛ حيث أن هذه الصراصير إن لم توجد في البيت فهي توجد خارج البيت .

وبالله التوفيق.


المجيب :د. محمد عبد العليم