ام ابراهيم س: ابني يرفض الذهاب إلى الروضة، ولقد مضى على ذهابه الآن أربعة أشهر ومازال يبكي في الصباح رافضا إياها وأنا المسئولة الوحيدة عنه؛ لأن أبوه يعمل بعيدا عنا ويأتي لفترات بعيدة، وأشعر بالضيق لعدم قدرتي على حل هذه المشكلة وأخفف عنه. في البداية ذهبت معه حتى تأقلم ثم بدأ بالتراجع، تواصلت مع معلماته فيخبرنني أنه يرفض التعاون مع الطلاب ويرفض اللعب وكأنه خائف، أصبح عنيدا ويضرب ويخرب ولا يعرف كيف يتواصل مع الكبار إلا بإثارة الفوضى في وجودهم وكثير الصراخ.
المشكلة أنه لا يوجد من يساعدني معه، أشعر بالضيق لأني لا أريد أن أكون السبب في دمار شخصيته والتسبب بعقدة له، أريده طفلا سعيدا لا يشعر بالظلم لمرات عديدة، فكرت في إخراجه من الروضه ولكن المشكلة في تصرفاته العنيدة.

المستشار: نهلة نور الدين حافظ الاجابه
سيدتي الفاضلة، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. لاشك أن مشكلة رفض الذهاب للروضة أو المدرسة في السنين الأولى من أكثر مشكلات الأطفال شيوعاً، وخاصة إذا لم يكن الطفل قد اعتاد الذهاب للحضانة من قبل فإنه يمر بخبرة جديدة تماماً.
لماذا يخاف الطفل من الذهاب للروضة:

تعالي نسأل أنفسنا ماذا يحدث لنا نحن الكبار حينما نمر بخبرة جديدة لأول مرة؟ قد نشعر بخفقان وزيادة ضربات القلب واضطراب بالمعدة وجفاف بالفم وتوتر عضلي، فالقلق أمر طبيعي يمر به أي إنسان يواجه خبرة جديدة مجهولة لا يعرف أين يجد فيها الخير وأين يكمن فيها الشر؟

هذا مع الكبير الذى عاش وخاض تجارب الحياة.. فما بالنا بالطفل الصغير الذي لا يملك من الخبرة إلا القليل عن قيامه مثلاً بتناول طعامه وشرابه والذهاب للحمام وربما لايفعل ذلك أيضاً بإتقان.
تخيلي معي كم هو مرعب للطفل أن ينفصل عن أمه مصدر الأمن والأمان ويذهب لأغراب ويكلف بمسئوليات جديدة ويحمل بأعباء ومخاوف مثل: هل سأجد الحمام؟ هل سأتناول طعامي كما يحلو لي؟ هل سأنام إذا أردت ذلك؟ هل سيصابني أذى لا أعرفه وأنا بعيد عن أمي؟
ليس هذا فحسب بل نضيف لذلك مخاوف الانفصال والتي تميز هذا السن، والتي تعني أن خوف الطفل قد لايكون على نفسه فقط بل على من يحب وخاصة أمه، وهل سيحدث شيئاً فظيعاً حينما يبتعد عنها؟ هل ستصاب بالأذى حينما يتركها؟
وتزداد حدة هذه المخاوف حينما نعامل الطفل بعدوانية، فهذا يولد نوعاً من العدوان بداخله تجاه الأهل، وتتفاعل مشاعر العدوان مع أفكاره الخيالية ويتصور أن للعدوان بداخله قوى خارقة ستؤذي أمه مثلاً.. وهكذا يعاني الطفل مخاوفاً عديدة لأن العالم من حوله مازال مبهماً.
وهذا لأغلب الأطفال، لكن بعض الأطفال تبدو عليهم علامات الخوف ومخاوف الانفصال أكثر من أقرانهم.. فلماذا؟.. هناك عوامل عديدة، من أهمها:
1- التكوين النفسي للطفل.
2- نسبة ذكاء الطفل، فالذي يتمتع بذكاء مرتفع قد يجمح خياله ويعاني أكثر من أقرانه من مخاوف الانفصال.
3- العوامل الأسرية، ومنها:

- وجود خلافات في الأسرة مثلاً، وفي حالة طفلك أرى أن بعد الأب بشكل متكرر وكونك وحدك المسئولة فذلك يجعلك قلقة باستمرار ومهمومة بالمسئولية تجاه الأولاد، وقلق الأم حتماً يتسرب للأولاد بشكل لا شعوري، والحقيقة أن قلقك ملموس خاصة في خوفك من أن تكوني سبباً في تدمير شخصية طفلك أو التسبب له بعقدة، ولا أدري ماذا تقصدين.. فهل تفرطين في العقاب وتعامليه بقسوة؟ أو تفرطين في التدليل؟
- ومن العوامل الأسرية الأخرى التي يجب أن نضعها في الاعتبار في حالة ابنك ما يخص مكان إقامتكما والموطن الأصلي، فأنا لا أعرف هل كان الانتقال من الموطن الأصلي للبلد الآخر في وقت أدرك فيه الطفل ذلك؟.. فهذا أيضاً يشعر الطفل بالقلق وأيضاً ربما أصابك ذلك أنت بالقلق وتسرب القلق للطفل.
- ومن العوامل الأسرية أيضاً غيرة الطفل من أشقائه، فمن الواضح أن له شقيقة أصغر منه، فهي تمكث معك في المنزل وهو وحده من يتركما تستمتعا بوقتكما معاً ويذهب هو للعناء والمسئولية الجديدة فى حياته.
4- فرط التدليل والحماية الزائدة تتسبب أيضاً في رفض الطفل للروضة وتزيد من حدة المخاوف عند الأطفال، فهو يرفض المسئولية ويفضل الإلتصاق بمصدر الحماية وهي الأم.
5- القسوة الزائدة والسلوك العدواني مع الطفل يتسبب أيضاً في تعميق مشاعر الخوف والقلق لديه.

والآن لماذا عناده ورفضه اللعب والاختلاط بأقرانه؟ ولماذا سلوكه العدواني؟ كل ذلك في حالة طفلك يعني حالة من الإحباط والرغبة في التعبير عن رفضه للأمر برمته، وهو لا يملك حيلة سوى أن يتصرف بعدوانية وهو سلوك بدائي يمثل دفاعاً عن النفس عما يتصوره الطفل بعقله المحدود هجوماً وعدواناً عليه لابد أن يرده، فهو يرى في دفعه لتحمل المسئولية حرماناً من حريته وإرادته مما يمثل تعدي على حقوقه، فلابد أن يثور.
خطوات تشجيعية:

هكذا فهمنا الطفل وفهمنا دوافعه البريئة، فلابد أن نهدأ ونتصرف معه بشكل غير مباشر، وعليك بهذه الخطوات لتشجيع طفلك للذهاب للروضة:

1- اهدئي وتعاملي مع طفلك بهدوء.
2- تحدثي معه عن الروضة كخبرة جميلة مثل: (ما شاء الله كبرت وستذهب للروضة مثل الكبار.. وهناك ستجد أصدقاء يحبونك وتلعب معهم وترسم وتلون وتغني وتقرأ وتكتب مثل الكبار.. أنت ولد شاطر وستفعل كل هذا).

3- شجعي طفلك على ممارسة أنشطة متعددة في المدرسة وليس الواجبات الأكاديمية فقط من قراءة وكتابة.

4- تحدثي معه عند عودته عما فعله بالتفصيل، وتكلمي معه عن زملائه وعن معلماته وكم هم طيبون وظرفاء ويحبونه.
5- اجعليه يراك وأنت تحدثي معلمته عنه، وتحدثي عنه بشكل إيجابي واتفقي مع المعلمة أن تتكلم عن إيجابياته معك أمامه وتمتدحانه معاً.
6- تجنبي ضربه أو توبيخه على عدم الذهاب للمدرسة، وتجنبي القسوة لتنفيذ ذلك.
7- اجعلي الطفل يختلط بأطفال كثيرين من عمره وأكبر منه خارج المدرسة ليعتاد التعامل مع الأطفال في مناخ هادئ بعيد عن ضغط والتزام الروضة
8- أقرني الذهاب للروضة بأشياء محببة كأن تعطي له العصائر والحلوى (أو ما يحب) معه وهو ذاهب للروضة.
9- انتهزي الفرص لمدح طفلك على مايفعل من إيجابيات لدعم ثقته بنفسه؛ لأن دعم الثقة بالنفس يقلل من الخوف والقلق عند الأطفال والكبار.
افعلي كل هذا بهدوء وستجدين تحسناً ملحوظاً بإذن الله لكن تدريجياً. فكوني صبورة، وبقدر اجتهادك في أن يشعر ابنك بأنكما أصدقاء ستجنين كل الخير في سلوكياته.. وفقك الله وبارك لك في أولادك.