سُئل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين -رحمه الله-:
ما موقف المسلم من كثير من المعاصي المنتشرة في بلاد المسلمين مثل الربا، وتبرج النساء، وترك الصلاة؟
فأجاب رحمه الله:
موقف المسلم حدده النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان».
فمن هذا الحديث يكون تغيير المنكر على ثلاث مراتب:
المرتبة الأولى: فإذا كان لك سلطة يمكنك بها أن تغير هذا المنكر بيدك فافعل، وهذا يمكن أن يكون للإنسان إذا كان المنكر في بيته، وكان هو القائم على البيت، فإنه في هذه الحالة يمكنه أن ينكر بيده.
فلو أن رجلًا دخل بيته ووجد فيه آلة لهو والبيت بيته، والولد ولده، والأهل أهله، أمكنه أن يغير المنكر بيده، كأن يكسر الآلة مثلًا؛ لأنه يستطيع.
المرتبة الثانية: التغيير باللسان: فإذا كان لا يستطيع تغيير المنكر بيده فإنه ينتقل للمرتبة الثانية وهي تغيير المنكر باللسان.
والتغيير باللسان على وجهين:
الوجه الأول: أن يقول لصاحب المنكر: ارفع هذا المنكر، ويتكلم معه، ويزجره إذا اقتضت الحال ذلك.
الوجه الثاني: إذا كان لا يستطيع هذا فليبلغ ولاة الأمر.
المرتبة الثالثة: التغيير بالقلب: فإذا كان لا يستطيع تغيير المنكر بيده أو بلسانه فلينكره بقلبه، وذلك أضعف الإيمان، والإنكار بالقلب أن تكره بقلبك هذا المنكر، وتكره وجوده، وتود أنه لم يكن.
وهنا نقطة يجب أن نتَنبَّه إليها، أشار إليها النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث حيث قال: «من رأى منكم».
والرؤية هنا هل هي بصرية أم علمية أم ظنية؟ أما الظن: فلا يرد هنا؛ لأنه لا يجوز ظن السوء بالمسلم، إذن تبقى الرؤية البصرية أو العلمية.
أما البصرية: فهي أن يشاهد الإنسان المنكر، والعلمية: أن يسمع إذا كان لا يرى، أو أن يخبره به مَن يثق به.
وهنا يتبين لنا أن الرسول صلى الله عليه وسلم أراد منا ألا نتعجل في الحكم على شخص ما في المنكر حتى نراه «من رأى منكم منكرًا فليغره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه».
ويقول لي بعض الناس: أنا أجلس عند أهل المنكر وأكره هذا بالقلب وأنكره بقلبي. فهل أقع في الإثم أم لا؟
نقول: أنت لم تنكره بقلبك، لأنه لو أنكره قلبك لأنكرته جوارحك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب».
ولو أن قلبك كرهه هل يمكن أن تجلس عند الذين يفعلونه؟
ولهذا قال الله تعالى: ﴿وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا﴾ [النساء:140].
ولهذا فإن بعض العامة يظنون أنه إذا جلس على المنكر وهو يكرهه بقلبه فهذا معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: «فإن لم يستطع فبقلبه».
وليس الأمر كذلك.
فالأمر كما تقدم: أن الذي أنكر المنكر بقلبه لا يمكن أن يبقى أبدًا لا واقعًا ولا شرعًا، وكَذَب من يقول: أَكره هذا المنكر وهو جالس مع أهله.
قال لي بعض الناس: إنك إذا قلت ذلك حَرَّمتَ الجلوس مع من كانوا حالقين لحاهم؛ لأن حلق اللحى منكر!!
نقول: عندنا أمران: الأول: فعل المنكر. والثاني: أثر المنكر.
فإذا وجدت رجلًا يعمل المنكر فإنك تنكر عليه حتى يدع هذا المنكر، وإذا لم يفعل فإنك لا تجلس معه؛ لأن من الإنكار بالقلب ألا تجلس معه.
أما إذا وجدت أناسًا قد فعلوا المنكر وحضرت أنت، وهم قد فعلوا منكرهم، وأنهوا وبقي أثر المنكر عليهم. فهل يجوز أن تجلس معهم؟ نعم يجوز الجلوس معهم؛ لأن هذا الذي تشاهده هو أثر المنكر.
إذن: انتبه للفرق بين أثر المنكر، وبين التلبُّس بالمنكر.
فلا تجلس مع الذين يحلقون لحاهم حال الحَلْق. أما بعد الحلق مثل أن نجدهم في السوق أو على عتبة الدكان وما أشبه ذلك فنجلس معهم.
لكن لا ندع فرصة إذا أمكن أن نناصحهم؛ لأننا رأينا عليهم أثر المعصية، فننصحهم؛ لأن هذا أمر بالمعروف، ونهي عن المنكر.
ومثل ذلك أن تجلس مع شخص تشم منه رائحة الدخان، فإنه لا حرج عليك لكن انصحه بعدم معاودة شربه، أما لو كان يشرب فعلًا فلا تجلس معه، فإن جلست كنت شريكًا في الإثم.
مع رجال الحسبة توجيهات وفتاوى»، «صفحة: 233-236»]