تعريف الليبرالية

هي مذهب رأسمالي ينادي بالحرية المطلقة في السياسة والاقتصاد ، وينادي بالقبول بأفكار الغير وأفعاله ، حتى ولو كانت متعارضة مع أفكار المذهب وأفعاله ، شرط المعاملة بالمثل . والليبرالية السياسية تقوم على التعددية الإيدلوجية والتنظيمية الحزبية . والليبرالية الفكرية تقوم على حرية الاعتقاد ؛ أي حرية الإلحاد ، وحرية السلوك ؛ أي حرية الدعارة والفجور ، وعلى الرغم من مناداة الغرب بالليبرالية والديمقراطية إلا أنهم يتصرفون ضد حريات الأفراد والشعوب في علاقاتهم الدولية والفكرية . وما موقفهم من الكيان اليهودي في فلسطين ، وموقفهم من قيام دول إسلامية تحكم بالشريعة ، ومواقفهم من حقوق المسلمين إلا بعض الأدلة على كذب دعواهم



الليبرالية
مشتقة من كلمة الحرية الإنجليزية "liberty" وهي مذهب يرى حرية الأفراد والجماعات في اعتناق ما يشاؤون من أفكار والتعبير عنها بشكل مطلق..



نشأة الليبرالية وجذورها
نشأت الليبرالية في التغيرات الاجتماعية التي عصفت بأوربا منذ بداية القرن السادس عشر الميلادي، وطبيعة التغير الاجتماعي والفكري يأتي بشكل متدرج بطيء.
وهي لم " تتبلور كنظرية في السياسة والاقتصاد والاجتماع على يد مفكر واحد، بل أسهم عدة مفكرين في إعطائها شكلها الأساسي وطابعها المميز.

فالليبرالية ليست اللوكية( نسبة إلى جون لوك 1632 – 1704 )، أو الروسووية( نسبة إلى جان جاك روسو 1712-1778 ) أو الملّية( نسبة إلى جون ستوارت ملْ 1806-1873 )، وإن كان كل واحد من هؤلاء أسهم إسهاماً بارزاً أو فعالاً في إعطائها كثيراً من ملامحها وخصائصها"([1])


وقد حاول البعض تحديد بداية لبعض مجالاتها ففي موسوعة لا لاند الفلسفية "الليبرالي ( أول استعمال للفظة ) هو الحزب الأسباني الذي أراد نحو 1810م أن يدخل في أسبانيا من الطراز الإنكليزي.)([2])

ويذكر الأستاذ وضاح نصر: " أن الليبرالية في الفكر السياسي الغربي الحديث نشأت وتطورت في القرن السابع عشر، وذلك على الرغم من أن لفظتي ليبرالي وليبرالية لم تكونا متداولتين قبل القرن التاسع عشر.([3])

قال منير البعلبكي :" الليبرالية(liberalism)فلسفة سياسية ظهرت في أوربا في أوائل القرن التاسع، ثم اتخذت منذ ذلك الحين أشكالاً مختلفة في أزمنة وأماكن مختلفة([4])
والظاهر من تاريخ الليبرالية أنها كانت رد فعل لتسلط الكنيسة والإقطاع في العصور الوسطي بأوربا ، مما أدى إلى انتفاضة الشعوب ، وثورة الجماهير ، وبخاصة الطبقة الوسطي.والمناداة بالحرية والإخاء والمساواة، وقد ظهر ذلك في الثورة الفرنسية. وقد تبين فيما بعد أن هناك قوى شيطانية خفية حولت أهداف الثورة وغايتها([5]).
وبهذا يتضح لنا أن الليبرالية في صورتها المعاصرة نشأت مع النهضة الأوربية ثم تطورت في عصور مختلفة إلى يومنا هذا.

ويرد بعض الباحثين جذور الليبرالية إلى ديمقراطيّ أثينا في القرن الخامس قبل المسيح، والرواقين في المراحل الأولى من المسيحية، ثم حرك الإصلاح البروتستانتية([1]).
وقد ذكر البعلبكي أن في حركة الإصلا الديني توجهاً ليبرالياً فقال: " كما يطلق لفظ الليبرالية كذلك على حركة في البروتستانتية المعاصرة تؤكد على الحرية العقلية ([2]).
يقول الدكتور علي بن عبد الرزاق الزبيدي: " ومن الصعب تحديد تاريخ معين لنشأة الليبرالية فجذورها تمتد عميقة في التاريخ([3]).
ويعتبر جون لوك من أوائل الفلاسفة الليبراليين وفلسفة تتعلق بالليبرالية السياسية.



[1] - انظر : الموسوعة الفلسفية العربية ( الجزء الثاني – القسم الثاني ص 1156
[2] - موسوعة المورد العربية 4/1050.
[3] - مقال : في الدول الليبرالية – مجلة المؤرخ العربي العدد 35، ص / 71.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] - الموسوعة الفلسفية العربية ( الجزء الثاني – القسم الثاني – ص / 1155)
[2] - موسوعة لا لاند الفلسفية 2/726.
[3] - الموسوعة الفلسفية العربية ( الجزء الثاني – القسم الثاني ص 1156)
[4] - موسوعة المورد العربية 2/1050.
[5] - أنظر : الموسوعة الفلسفية العربية

تطور الليبرالية :
أخذت الليبرالية أطواراً متعددة بحسب الزمان والمكان وتغيرت مفاهيمها في أطوارها المختلفة ، وهي تتفق في كل أطوارها على التأكيد على الحرية وإعطاء الفرد حريته وعدم التدخل فيها.

ويمكن أن نشير إلى طورين مهمين فيها:

أولاً : الليبرالية الكلاسيكية :
يعتبر جوك لوك ( 1704م ) أبرز فلاسفة الليبرالية الكلاسيكية، ونظريته تتعلق بالليبرالية السياسية، وتنطلق نظريته من فكرة العقد الاجتماعي في تصوره لوجود الدولة، وهذا في حد ذاته هدم لنظرية الحق الإلهي التي تتزعمها الكنيسة.
وقد تميز لوك عن غيره من فلاسفة العقد الاجتماعي بأن السلطة أو الحكومة مقيدة بقبول الأفراد لها ولذلك يمكن بسحب السلطة الثقة فيها([1]).
وهذه الليبرالية الإنكليزية هي التي شاعت في البلاد العربية أثناء عملية النقل الأعمى لما عند الأوربيين باسم الحضارة ومسايرة الركب في جيل النهضة كما يحلو لهم تسميته.
يقول القرضاوي : " وهي التي يمكن أن يحددها بعضهم بـ" ليبرالية ألوكز" وهي التي أوضحها جوك لوك وطورها الاقتصاديون الكلاسيكيون ، وهي ليبرالية ترتكز على مفهوم التحرر من تدخل الدولة في
تصرفات الأفراد،سواء كان هذا في السلوك الشخصي للفردأم في حقوقه الطبيعية أم في نشاطه الاقتصادي آخذاً بمبدأ دعه يعمل"([1]).
وقد أبرز آدم سميث (1790م) الليبرالية الاقتصادية وهي الحرية المطلقة في المال دون تقييد أو تدخل من الدولة.
وقد تكونت الديمقراطية والرأسماليّة من خلال هذه الليبرالية، فهي روح المذهبين وأساس تكوينها، وهي مستوحاة من شعار الثورة الفرنسية " دعه يعمل " وهذه في الحرية الاقتصادية " دعه يمر " في الحرية السياسية. وسيأتي التفصيل في مجالات الليبرالية.



ثانياً : الليبرالية المعاصرة :
" تعرضت الليبرالية في القرن العشرين لتغيّر ذي دلالة في توكيداتها. فمنذ أواخر القرن التاسع عشر، بدأ العديد من الليبراليين يفكرون في شروط حرية انتهاز الفرص أكثر من التفكير في شروط من هذا القيد أو ذاك. وانتهوا إلى أن دور الحكومة ضروري على الأقل من أجل توفير الشروط التي يمكن فيها للأفراد أن يحققوا قدراتهم بوصفهم بشراً.
ويحبذ الليبراليون اليوم التنظيم النشط من قبل الحكومة للاقتصاد من أجل صالح المنفعة العامة. وفي الواقع، فإنهم يؤيدون برامج الحكومة لتوفير ضمان اقتصادي، وللتخفف من معاناة الإنسان.
وهذه البرامج تتضمن : التأمين ضد البطالة ، قوانين الحد الأدنى من الأجور ، ومعاشات كبار السن ، والتأمين الصحي.
ويؤمن الليبراليون المعاصرون بإعطاء الأهمية الأولى لحرية الفرد ، غير أنهم يتمسكون بأن على الحكومة أن تزيل بشكل فعال العقبات التي تواجه التمتع بتلك الحرية.
واليوم يطلق على أولئك الذي يؤيدون الأفكار الليبرالية القديمة : المحافظون([1]).
ونلاحظ أن أبرز نقطة في التمايز بين الطورين السابقين هو في مدى تخل الدولة في تنظيم الحريات ، ففي الليبرالية الكلايسيكية لا تتدخل الدولة في الحريات بل الواجب عليها حمايتها ليحقق الفرد حريته الخاصة بالطريقة التي يريد دون وصاية عليه ، أما في الليبرالية المعاصرة فقد تغير ذلك وطلبوا تدخل الدولة لتنظيم الحريات وإزالة العقبات التي تكون سبباً في عدم التمتع بتلك الحريات.
وهذه نقطة جوهرية تؤكد لنا أن الليبرالية اختلفت من عصر إلى عصر ، ومن فيلسوف إلى آخر ، ومن بلدٍ إلى بلدٍ ، وهذا يجعل مفهومها غامضاً كما تقدم.

ــــــــــــــــــ

[1] - الموسوعة العربية العالمية 21/248.
[1] - الحلول المستوردة ص 51.


[1] - أنظر العلمانية – سفر الحوالي – ص /214 ، وانظر تفصيل نظرية لوك في ذلك : الموسوعة الفلسفية ( الجزء الثاني – القسم الثاني ص /1156-1157.




مجالات الليبرالية


تعددت مجالات الليبرالية بحسب النشاط الإنساني . وذلك أن الليبرالية مفهوم شمولي يتعلق بإدارة الإنسان وحريته في تحقيق هذه الإرادة فكل نشاط بشري يمكن أن تكون الليبرالية داخلة فيه من هذه الزاوية ، وبهذا الاعتبار.
" إن خصوصية الليبرالي عامة أنه يرى في الحرية أصل الإنسانية الحقّة وباعثة التاريخ. وخير دواء لكل نقص أو تعثر أو انكسار "([1])

وأبرز هذه المجالات شهرة : المجال السياسي ، والمجال الاقتصادي.

أولاً : ليبرالاية السياسة
في موسوعة لالاند الفلسفية: " الليبرالية: مذهب سياسي يرى أن من المستحسن أن تزاد إلى أبعد حد ممكن استقلالية السلطة التشريعية والسلطة القضائية بالنسبة إلى السلطة الإجرائية التنفيذية ، وأن يعطى للمواطنين أكبر قد من الضمانات في مواجهة تعسف الحكم".([2])
ويقول منير البعلبكي : " الليبرالية liberalism فلسفة سياسية ظهرت في أوربا في أوائل القرن التاسع عشر.. تعارض المؤسسات السياسية والدينية. التي تحد من الحرية الفردية ، وتنادي بأن الإنسان كائن خيّر عقلاني ، وتطالب بحقه في التعبير وتكافؤ الفرص والثقافة الواسعة([3]).
وتعتبر الديمقراطية من النظم الليبرالية التي تسعى لإعطاء الفرد حقوقه وهي نوع من التطبيق العلمي للفكر الليبرالي. يقول الدكتور حازم البيلاوي : " فنقطة البدء في الفكر الليبرالي هي ليس فقط أنها تدعو للديمقراطية بمعنى المشاركة في الحكم ، ولكن نقطة البدء هو أنه فكر فردي يرى أن المجتمع لا يعدو أن يكون مجموعة من الأفراد التي يسعى كل فرد فيها إلى تحقيق ذاته وأهدافه الخاصة([4]).

وقد أعطت الديمقراطية كنظام سياسي جملة من الحريات السياسية مثل : حرية الترشيح ، وحرية التفكير والتعبير ، وحرية الاجتماع ، وحرية الاحتجاج ، كما أعطت جملة من الضمانات المانعة من
الاعتداء على الأفراد وحرياتهم مثل : ضمان الاتهام ، وضمان التحقيق ، وضما التنفيذ، وضمان الدفاع".([1])
"وقد أدّت الثورات الليبرالية إلى قيام حكومات عديدة تستند إلى دستور قائم على موافقة المحكومين.وقد وضعت مثل هذه الحكومات الدستورية العديد من لوائح الحقوق التي أعلنت حقوق الأفراد في مجالات الرأي والصحافة والاجتماع والدين.كذلك حاولت لوائح الحقوق أن توفر ضمانات ضد سوء استعمال السلطة من قبل الشرطة والمحاكم"([1]).

ومع ذلك فإن الليبرالية تطالب من الدول الديمقراطية مزيداً من الحريات تطالب بالتخفف من السلطة على الأفراد ليحصل بذلك الفرد على حريته.
ويرى سبنسر أن وظائف الدولة يجب أن تحصر في الشرطة والعدل والدفاع العسكري بمواجهة الأجنبي([2]).
ويظهر من ذلك المطالبة بغياب الدولة إلا فيما يتعلق بالحماية العامة للمجتمع ، وهذا هو رأي الليبراليين الكلاسيكيين. وقد انقرض هذا الرأي في الليبرالية المعاصرة التي جنحت إلى اعتبار الحرية الفردية هدفاً ولو بتدخل الدولة . بينما كان المذهب الأساسي عند الكلاسيكيين المطالبة بغياب الدولة مهما تكن نتائجه على الفرد([3]).
وقد اختلف الليبراليون الكلاسيكيون مع الديمقراطيين في من يملك حق التشريع العام ، فالديمقراطيون يرون أن الأكثرية هي التي تقرر وتشرع وتمسك بزمام السلطة. أما الليبراليون فقد اهتموا بحماية الفرد من الأذى، وأن هذا هو مهمة القانون بدل التشديد على حق الآخرين بسبب الأكثرية ، وهذه من نقاط التصادم بينهم"([4]).
ولكن الليبرالية اختلفت في الواقع المعاصر عمّا كانت عليه سابقاً.

ويمكن أن نطلق على التوجه الجديد ( الليبرالية الجديدة ) وبرروا ذلك بأنه نتيجة لعدم مسايرة الليبرالية التقليدية للتطور الذي شهده العالم كان ذلك هو السبب في ولادة ليبرالية جديدة تتلاءم وظروف المجتمع الجديد ، وهي ليبرالية ما بعد الحرب العالمية الثانية([5]).

والفرق بينهما فيما يتعلق بالسياسة هو :
أن دور الدولة في ظل النظرة الجديدة يجب أن يكون أكبر ، فلها مهمة أساسية هي تحديد الإطار القانوني للمؤسسات التي يدور فيها النشاط الاقتصادي ، وقد حدد منظرو الليبرالية الجديدة دور الدولة الذي يجب أن تقوم به بما يلي :-
1-أن تعمل كل جهدها ضد التضخم والانكماش.
2-أن تحد بشكل معتدل من سلطة الاحتكار وبشكل تتابعي.
3-أن تؤمم فقط الاحتكارات التي لا يمكن للقطاع الخاص.
4-أن تتحمل كافة الخدمات العامة.
5-أن تعطي الفرص والموارد بالتساوي.
6-أن تطبق التخطيط التأثيري من أجل التقليل من المخاطر التي قد تحدث.
7-أن تطبق التخطيط المركزي عندما يقتضي أن يكون هناك عمل تغير بنائي.
8-أن تتدخل عندما يكون هناك خلل في ميكانيكية السوق([1]).



ثانياً : ليبرالية الاقتصاد
الليبرالية الاقتصادية: " مذهب اقتصادي يرى أن الدولة لا ينبغي لها أن تتولى وظائف صناعية ، ولا وظائف تجارية ، وأنها لا يحقّ لها التدخل في العلاقات الاقتصادية التي تقوم بين الأفراد والطبقات أو الأمم. بهذا المعنى يقال غالباً ليبرالية اقتصادية"([1]).
ويلاحظ أن هذا التعريف واقع على الليبرالية الكلاسيكية قبل التحول الكبير الذي تم في الليبرالية الجديدة على نحو ما سيأتي.
ويقول البعلبكي " ويطلق لفظ الليبرالية أيضاً على سياسة اقتصادية نشأت في القرن التاسع عشر متأثرة بآراء آدم سميث بخاصة ، وأكدت على حرية التجارة وحرية المنافسة ، وعارضت تدخل الدولة في الاقتصاد"([2]).
والليبرالية الاقتصادية وثيقة الصلة بالليبرالية السياسية ، ويعتقد الليبراليون أن الحكومة التي تحكم بالحد الأدنى يكون حكمها هو الأفضل.. ويرون أن الاقتصاد ينظم نفسه بنفسه إذا ما ترك يعمل بمفرده حراً ، ويرون أن تنظيمات الحكومة ليست ضرورية([3]).

وأبرز النظم الاقتصادية الليبرالية هو نظام " الرأسمالية " التي رتّب أفكاره عالم الاقتصاد الاسكتلندي آدم سميث في كتابه ( ثروة الأمم ).
ويدخل في الحرية التي يطالب بها الليبراليون حرية حركة المال والتجارة ، وحرية العمل وحرية التعاقد ، وحرية ممارسة أي مهنة أو نشاط اقتصادي آخذاً من الشعار الشهير للثورة الفرنسية " دعه يعمل دعه يمر."
والذي يحكم قواعد اللعبة الاقتصادية وقيمها هو سوق العرض والطلب دون أي تقييد حكومي أو نقابة عمالية. فللعامل الحرية في العمل أو الترك كما لصاحب رأس المال الحرية المطلقة في توظيف العدد الذي يريد بالأجرة التي يريد([4]).

ولكن سبق أن ذكرنا أن المفهوم الليبرالي تغير وبرزت الليبرالية الجديدة عل السطح بعد الحرب العالمية الثانية بسبب الأزمات الاقتصادية الخانقة والكساد وذلك لتمركز رأس المال وظهور الاحتكارات الصناعية الضخمة ، وانهيار قاعدة الصرف بالذهب وأزمة الثورات العمالية في ألمانيا مما جعل الحكومات تتدخل لإنعاش الاقتصاد فتغيرت الأيديولوجية الليبرالية إلى القول بأهمية تدخل الحكومة لتنظيم السوق([5]).
وقد فصّل صاحب كتاب " الليبرالية المتوحشة " كيفية تدخل الدولة لإنعاش الاقتصاد وإصلاح السوق ، وبهذه المرحلة تغيب شمس الليبرالية الكلاسيكية حيث أبطل الواقع فكرة إصلاح السوق لنفسه لتبرز إلى السطح الليبرالية الجديدة بقوة.

وقد أطيل النفس في مراحل الاقتصاد الليبرالي في الكتاب سابق الذكر، ونقد فكر الليبرالية الجديدة واقعياً ببيان انحدار الازدهار الاقتصادي الذي حققته الرأسمالية بعد الحرب الكونية الثانية ، فبدأت معدلات النمو الاقتصادي في التراجع وارتفعت معدلات البطالة والطاقة المعطلة ، وانخفضت معدلات نمو الإنتاجية([6]).

ولعل أبرز تطور جديد في الليبرالية المعاصرة هو " ليبرالية العولمة " ومن دلالتها الفكرية : العودة إلى الليبرالية الكلاسيكية كمفهوم ، وذلك أن من أبرز معالم العولمة : التخفيف من التدخل الحكومي في انتقال المال عبر الحدود والأسوار السياسية ، وذلك لتحقيق أعلى الأرباح ، فقد طبّقت الفلسفة الليبرالية عملياً عن طريق الشاويش السياسي الذي يحمي هذه الفكرة القديمة في الضمير الغربي.
لقد أصبح الاقتصاد وسيلة سياسية للسيطرة ، ونقل الثقافات الحضارية بين الأمم ، ولهذا فالأقوى اقتصادياً هو الأقوى سياسياًّ ولهذا اقتنعت الدول الغربية بهذه الفلسفة مع مشاهدتها لآثار الرأسمالية على الشعوب الفقيرة ، ومن خلال اللعبة الاقتصادية يمكن أن تسقط دول ، وتضعف أخرى.
وجذر العولمة الفكري هو انتفاء سيادة الدول على حدودها ومواطنيها فضلاً عن عدم سيطرتها عل النظام الاقتصادي الحر الذي كان يطالب به الليبراليون الكلاسيكيون.
يقول رئيس المصرف المركزي الألماني هناس تيتمار في فبراير من عام 1996م أمام المنتدى الاقتاصادي في دفوس " إن غالبية السياسيين لا يزالون غير مدركين أنهم قد صاروا الآن يخضعون لرقابة أسواق المال ، لا ، بل إنهم صاروا يخضعون لسيطرتها وهيمنتها"([7])وسوف يكون قادة العالم في المرحلة القادمة ( العولمة ) هم أرباب المال ، وسدنة المؤسسات الاقتصادية الكبرى.
والعولمة مبنية على نظرية اقتصادية ينصح بها عدد من الخبراء والاستشاريين الاقتصاديين. ويقدمونها دون ملل للمسئولين عن إدارة دفة السياسة الاقتصادية على أنها أفضل نهج وهي (الليبرالية الجديدة new liberalisms) وشعار هذه النظرية (ما يفرزه السوق صالح ، أما تدخل الدولة فهو طالح )([8]).
وهذا صريح في إعادة ترميم الليبرالية الكلاسيكية والارتداد إليها بعد التغير الذي حصل بعد الحرب العالمية الثانية.


[1][1] - موسوعة لا لاند الفلسفية 2/726.
[2][2] - موسوعة المورد العربية 2/1050.
[3][3] - أنظر الموسوعة العربية العالمية 21/248
[4][4] - أنظر الليبرالية المتوحشة ص/41.
[5][5] - أنظر المصدر السابق ص/47-51.
[6][6] - أنظر : المصدر السابق.
[7][7] - أنظر في العلاقة بين الليبرالية والعولمة : كتاب " فخ العولمة " ومنه أخذت النصوص السابقة.
[8][8] - أنظر في العلاقة بين الليبرالية والعولمة : كتاب " فخ العولمة" ومنه أخذت النصوص السابقة.
[1] - مفهوم الحرية – العروي –ص /511.
[1] - موسوعة لا لاند الفلسفية 2/725.
[1] - موسوعة المورد العربية 4/1050.
[1] - مجلة آفاق الإسلام – عدد 4-عام 1994م.
[1] - انظر تفصيل ذلك في : مذاهب فكرية معاصرة – للأستاذ محمد قطب – ( الديمقراطية).
[1] - الموسوعة العربية العالمية 21/248.
[1] - الموسوعة العربية العالمية 21/248.
[1] - انظر : موسوعة لا لاند الفلسفية 2/726.
[1] - الموسوعة الفلسفية العربية ( الجزء الثاني – القسم الثاني – ص /1160).
[1] - مقال : في الدولة الليبرالية – مجلة المؤرخ العربي – عدد 35- ص/73.