نعم ... نحن السبب !
عشت في استراليا برفقة عائلتي المكونة من سبعة اشخاص لمدة عشر سنوات ، عندما وصلت اليها لاحظت في ايامي الاولى ان المعيشة فيها مرتفعة جداً بدءً من المأكل والمشرب الى ايجارات المساكن والكهرباء والماء وخلافه . كنت اساءل نفسي كيف يستطيع هذا الشعب العيش بمرتباتهم التي لا تُعتبر مرتفعة جدا ...
في الشهور الاولى من وصولي لاحظت ان مصروفاتي الشهرية تفوق الخيال وبدأ القلق ينتابني حيث كان مدخول مرتبي الشهري لا يتبقى منه إلا أقل القليل بالرغم من ارتفاع ذلك المرتب ..
بدأت اراقب الشعب الاسترالي وكيف يتصرفون في عملية الإنفاق الشهري .. هالني ما عرفت ورأيت فبالنسبة لمعيشتهم فإنهم لا يشترون إلا لما يحتاجون اليه لدرجة انهم اذا ارادوا ان يشترون الفاكهة فإنهم يختارون حبة واحدة او إثنتين من بعض انواعها ، كذلك فإنهم لا يطبخون طعاماً إلا بقدر حاجتهم اليه بحيث لا يفيض منه شيء ، أما بالنسبة للكهرباء فإنهم يختارون الإضاءة غير المكلفة ويستحيل ان تجدغرفة من غرف منازلهم التي لا يتواجدون داخلها مضاءة بل إنهم يضيئون المكان الذي يتواجدون فيه فقط ، أما بالنسبة لمواصلاتهم اليومية فإن معظهم ومعظم أبناءهم يستخدمون المواصلات العامة من باصات وقطارات بأسعار شهرية رمزية ، إضافة الى اشياء كثيرة يقوم بها الاستراليون كلها تصب في الإقتصاد والتوفير .
بالنسبة لصاحبكم - الذي هو أنا - فقد كنت مستمراً على عاداتي السعودية التي كنت احملها معي دوماً ، حيث تعودنا ان نشتري انواع الفاكهة والخضار بالكيلوات نصفها تقريبا يجد طريقه الى مكب الزبالة بعد ان يكون قد اصابه العطب ، وتعودنا ان نطبخ افطارنا وغداءنا وعشاءنا في المنزل بكميات غير معقولة يفيض منها الكثير ولا يستفاد منه ، انوار منزلنا كانت دوماً مشرعة وكأننا نحتفل بمناسبة سعيدة ليلياً ، هدر المياه في منزلنا كان لا يتوقف ، امتلاكنا لأكثر من سيارة وما يتبعها من مصاريف باهظة بداية من التأمين عليها ورسوم استماراتها السنوية ونهاية بتعبئتها بالوقود باهظ الثمن واشياء اخرى كثيرة لابد انكم تعرفونها جيداً فأنا منكم وانتم مني .
عندما تخطت مصاريفي الشهرية الحدود المعقولة قررت ان اقوم بتقليد الاستراليين وان افعل ما يفعلون رغبة في التوفير والاقتصاد .
بعد شهر واحد تقريبا من قيامي بتقليد الاستراليين والسير على ( بعض ) خطاهم الاقتصادية في مأكلنا ومشربنا وداخل منزلنا تفاجأت بمقدار التوفير الذي طرأ على مصروفاتي الشهرية والذي انخفض الى الثلثين ، عندها عرفت ان طريقة حياتي كانت تسير بالشكل الخاطىء وان الامور كان لا يجب ان تؤخذ بعدم المبالاة في الإنفاق والصرف والشراء كما ان تسيير دفة المصاريف يجب ان تحكمها انظمة وقوانين يتم وضعها بالتفاهم بين رب الاسرة ونصفه الآخر .
انهيت فترة ايفادي الى استراليا وعدت الى ارض الوطن وقد تناسيت الطريقة الاسترالية في التوفير وابحرت مع المبحرين في عملية الشراء والانفاق - وعادت حليمة لعادتها القديمة - .
صرت اشتكي واتضجر من اقيام بعض السلع الاستهلاكية مثل الكهرباء والماء وغيرها والتي كانت تنهب مرتبي نهباً .
بعد عدة شهور لاحظت ان مصاريفي الشهرية غير معقولة وان مرتبي يكاد لا يبقى منه شيء بنهاية الشهر ، لاحظت ضخامة مبالغ فواتير المياه والكهرباء ، لاحظت اطنان الزبالة التي تخرج من منزلي شهريا والتي كانت تحتوي على الاطعمة الفائضة والفواكه والخضروات التالفة ، كما لاحظت اشياء كثيرة جدا غير ذلك ...
فجأة تذكرت حياتي في استراليا والقرار الذي اتخذته للجم مصاريفي الشهرية .
عقدت العزم ان اسير على تلك الخطى فبدأت أنا وزوجتي نفكر قبل ان نشتري ونتدبر قبل ان نخطو خطوة واحدة في انفاق أي مبلغ كان وانه يجب ان يذهب لشراء امور ضرورية ، بدأنا نسيطر على استهلاكنا للكهرباء والماء ، بدأنا نشتري ما نحتاجه من مأكل ومشرب بكميات صغيرة بحيث لا يصيبها العطب من جراء مرور ايام عليها داخل الثلاجة ، بدأت زوجتي تقنن كميات الطعام بحيث لا يفيض منه شيء فيلقى في مكب الزبالة .
استمرينا على هذا الوضع شهرا كاملا ... وكانت المفاجأت التي ابهرتني فقد انخفض سيل المصاريف الى الثلثين ايضا .
تأكدت اخيرا انني انا الوحيد المسؤول عن سبب انفاق وهدر الجزء الاكبر من مرتبي في امور كان يمكن السيطرة على نفقاتها ، كنت المسؤول على عدم التفكير والتدبر والسير بنظام موضوع للبيت والاسرة ... نعم أنا السبب وليس غيري .
واجزم الان أيها القارئ الكريم أنك توافقني الرأي وتصرخ بعد قراءتك لهذا المقال وتقول ( أنا السبب أنا السبب )

بقلم / رضا عبد المحسن النزهه