تخيُّل رمضاني ..

تستيقظ من نومك .. لا تجد جوالك بجانبك .. وتنظر الى حائط غرفتك و اذا بالمكيف من طراز قديم .. وتنظر الى وسادتك وإذ بها قد تغيرت .. وسادة بيضاء مطرزة على شكل طائر و كتابة صباح الخير ... تفتح باب حجرتك و عليها مفتاح قد ربط بتطريز احمر من صنع والدتك .. ثم تخرج الى الصالة واذا بكل شيء أصبح من الطراز القديم ..

الساعة الثانية ظهرا كما يظهر على ساعة الحائط .. تجد والدتك في الصالة .. تضع اللحم المفروم في داخل رقاق السمبوسه و بجانبها صحن (توت) بلونه الرمادي .. و فرامة يدوية فيها بقايا بصل ..

تنظر في زوايا الصالة واذا بالتلفاز أمامك من نوع اخر .. مغلق في دولاب واذا فتحت بابه يعمل .. واذا بالقناة الاولى تبث حلقة من مسلسل الاطفال ( بابا فرحان ) .. ثم يقطع المسلسل بموجز لنشرة الاخبار ... لا اخبار قتل ولا تدمير... اليمن بخير و سوريا جنة الشام و الزينة تظهر في كل شوارع مصر .. ويتحدث المذيع عن طرق استقبال شهر رمضان في مختلف البلدان

في الغرفة المجاورة تجد كل اخوتك مع بعضهم البعض .. يطلب كل واحد منهم الاخر الصحيفة التي في يده .. فهم يتناوبون على قراءتها .. و والدك في حجرته يقرأ القرآن بصوت مسموع

لا هواتف نقالة تشغلهم.. لا إنترنت يفرقهم .. ثم يتفرق الجمع مع صلاة العصر .. البنات في المطبخ .. الصغرى تضع (ريح الموز) في قدر (التطلي) .. و الاخرى ترص أواني (الجلي) و السمين من الشباب هو المسؤول عن ( التوت والتانج) .. و آخر ينادي من الصالة ( لا تضعوا مكسرات على الكنافة) .. وأكبر الاخوة ينزل السوق كي يشتري (الكعك و الفول والسوبيا) .. ثم يدخل والدك .. و يتفقد (قمر الدين ) ويقول لامك : قمر الدين هو افضل من هذه المشروبات الصبغة .. فينظر لابنائه ويقول وهو يبتسم : محرومين من الاكل الطيب

على الافطار .. الجميع يستمع الى الدعاء و يشاهد جموع الناس وهي تدعو في الحرم المكي .. فلا يوجد لدى كل الأسر سوى هذه القناة ..ثم ترسم الابتسامة على شفاه الجميع حينما يعلن المذيع : يرفع الان أذان صلاة المغرب من المسجد الحرام بصوت المؤذن ......

الكل يفطر الا انت وأختك الصغرى فلا فطور قبل أن ترى مدفع الافطار ...

وبعد الصلاة يوضع ما تبقى من طعام في الصالة ... أمام التلفاز .. نستمع الى حديث الشيخ علي الطنطاوي .. ثم مسلسل كوميدي يعقبها كاميرا خفية لا نار فيها و لا ترويع ..
ثم تخرج مع اخوتك للصلاة والبنات يساعدن الام في ترتيب المطبخ .. تقابل كل أبناء الحي في ليل بهيج شباب يلعبون ( كرة طائرة ) و في الأطراف صديقك ينادي على (البليلة) و صغار ازعجوا الحي بأصوات المفرقعات .. و انت منهمك في تحدي (الفرفيرة)

تعود الى منزلك و تتناول طعام السحور .. ومن الصالة صوت الشعراوي وهو يفسر القران الكريم .. و والدك يمسك بكوب الشاي وهو منجذب لكلام الشيخ ..

تخيل أن يحدث لك هذا الان .. يوم رمضاني من الزمن الجميل .. طعم رمضان الذي افتقدناه في زحمة التكنلوجيا و المسلسلات التي لا تتوقف حتى في وقت الصلوات .. افطار شارك في تحضيره الجميع .. و مجتمع تتغير عاداته و أيامه بحلول هذا الشهر ...

فقط تخيل

منصور الحارثي