قال الإمام الشيخ شمس الدين محمد بن عبد الرحمن السخاوي رحمه الله تعالى في المقاصد الحسنة في بيان كثير من الأحاديث المشتهرة على الألسنة :

حديث ( الأقربون أولى بالمعروف )
ما علمته بهذا اللفظ ، ولكن قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي طلحة : ( أرى أن تجعلها في الأقربين ) رواه البخاري من حديث مالك عن إسحاق بن عبد الله عن أنس قال : وقال ثابت : عن أنس قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي طلحة : ( اجعله لفقراء أقاربك ) وقال الأنصاري حدثني أبي عن ثمامة عن أنس مثل حديث ثابت ( اجعلها لفقراء قرابتك ترحم ) هذا كله إذا أوقف أو أوصى لأقاربه وفي التنزيل : ( قل ما أنفقتم من خير فللوالدين وللأقربين ) و ( كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت أن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف ) .








(تنبيه الهُمام فيمن لهم أجران):
الصدقة على ذي الرحم:
وذلك لما ثبت في الحديث عن الرباب أم الرائح بنت صليع، عن عمها سلمان بن عامر الضبي قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (الصدقة على المسكين صدقة، وعلى ذي الرحم اثنتان: صدقة، وصلة)[41].
وفي رواية: ((على ذي رحم صدقتان: صدقة، وصلة))[42]، وفي بعض الروايات عند ابن خزيمة على: ((القريب)) بدلاً من ((ذي رحم)).
قال المناوي - رحمه الله -:صدقة ذي الرحم؛ أي: على ذي الرحم القرابة: صدقة وصلة، ففيها أجران بخلاف الصدقة على الأجنبي، ففيها أجر واحد، وفيه التصريح بأن العمل قد يجمع ثواب عملين؛ لتحصيل مقصودهما به، فلعامله سائر ما ورد في ثوابيهما بفضل الله ومِنَّته[43].
ولكن، ما المقصود بذي الرحم؟
هي الرحم التي أمر بصلتها، هي كل ما يرتبط بقرابة؛ سواء كانت من الأصول "كالآباء والأمهات وإن نزلوا، والفروع وإن علوا، والحواشي من الإخوة والأخوات، والأعمام والعمات، والأخوال والخالات"؛ كما دل على ذلك حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رجل: يا رسول الله، من أحق الناس بحسن الصحبة؟ قال: قال: ((أمك، ثم أمك، ثم أمك ثم أبوك، ثم أدناك أدناك))[44].
قد يتوارد على الأذهان سؤال وهو: هل تقتصر الصدقة على إعطاء المال فقط، أم أنها تشمل غيرها من أفعال الخير؟
نقول: المعنى الجامع هو إيصال ما أمكن من الخير، ودفع ما أمكن من الضرر، وبذلك يكون على حسب الحاجة، فتكون بالنفقة لمن يحتاج، وتكون بالهدية وبالتودد، وبالعون، والإعانة على الحاجات، وبالنصيحة، وبدفع الضرر، وبالإنصاف معهم، وبطلاقة الوجه، وبالعدل، والقيام بالحقوق الواجبة، وبالدعاء، وبتفقُّد أحوالهم، والتغافل عن زَلاَّتهم، والزيارة، وبالشفاعة الحسنة.وهل الصدقة على ذي الرحم أفضل من الصدقة على المسكين مطلقًا؟
قال ابن حجر - رحمه الله -: لا يلزم من ذلك أن تكون هبة ذي الرحم أفضل مطلقًا؛ لاحتمال أن يكون المسكين محتاجًا، ونفعه بذلك متعديًا، والآخر بالعكس[45].
وفي الحديث لطيفة للدعاة:
وهي أن دعوة العشيرة الأقربين وتوجيههم إلى سعادتهم الأبدية أعظم وأولى من الصدقة بالمال، والناس في الغالب ينظرون إلى قرابة الداعية ومدى تطبيقهم لما يدعو إليه.
قال ابن حجر - رحمه الله -: والسر في الأمر بإنذار الأقربين أولاً أن الحجة إذا قامت عليهم تعدَّت إلى غيرهم، وإلا فكانوا علةً للأبعدين في الامتناع[46].
ولهذا قال سالم بن عبدالله بن عمر: كان عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - إذا صعد المنبر، فنهى الناس عن شيء، جمع أهله، فقال: إني نهيت الناس عن كذا وكذا، وإن الناس ينظرون إليكم نظر الطير إلى اللحم، وأقسم بالله لا أجد أحدًا منكم فعَله، إلا أضعفت عليه العقوبة[47].

[41] (حسن)؛ أخرجه الترمذي (658) وحسنه، وابن ماجه (1844)، والنسائي في "السنن الكبرى" (2363)، وأحمد في "المسند" (16671)، البيهقي في "السنن الكبرى" (7524)، وفي "شعب الإيمان" (3273)، وابن خزيمة (2193)، وابن حبان (3344)، والحاكم في "المستدرك" (1476)، وقال: صحيح الإسناد، والدارمي (1733)، والطبراني في "معجمه الكبير" (6087)، وابن أبي شيبة في "مصنفه" (10541).

[42] أخرجه ابن خزيمة (2193)، والطبراني في "الكبير" (6084)، وحسنه الألباني في "صحيح الجامع" (3858)، وشعيب الأرنؤوط في "تعليقه على ابن حبان".
[43] "فيض القدير" 4/ 255.
[44] مسلم (2548).
[45] "فتح الباري" 8/ 78.
[46] "الفتح" 8/ 503.
[47] "تاريخ الأمم والملوك"؛ للطبري 2/ 68، و"الكامل في التاريخ"؛ لابن الأثير 1/ 472.


رابط الموضوع:
http://www.alukah.net/sharia/0/45142/#ixzz4dHRGDUxW