🔘 قام القائد سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - باختيار ١٤ رجلاً ليكونوا
الوفدالعربي الإسلامي لإمبراطور فارس يزدجرد ، فاختار سبعةً من أهل الرأي والمشورة وسبعةً من أهل المهابة والقوة الجسدية ورجاحة العقل ، ويقول المؤرخون :
إن جميع أعضاء ذلك الوفد كانوا من العمالقة الذين يتجاوز طولهم المترين في مقاييس زماننا ، ولنستعرض معاً أسماء أولئك العمالقة الأربعة عشر :

١ . النعمان بن مُقَرِّن :
صحابي من أصحاب رسول الله ﷺ ، كان القائد الأعلى لوفد العمالقة الأربعة عشر ، هو أمير قبيلة مزينة البدوية ، وبطل من أبطال الفتوحات الإسلامية في العراق وفارس ، وأمير أمراء الجيوش الإسلامية المقاتلة في معركة نهاوند المصيرية .

٢. حَمَلة بن جُويَّة :
صحابي من أصحاب رسول الله ﷺ ، وسيد من سادات قبيلة كنانة العربية ، اشتهر برجاحة عقله وحسن مشورته .

٣. المُعَنَّى بن حارثة :
سيد قبيلة شيبان ووزير دفاعها ، وأخو المثنى بن حارثة الشيباني ، كان عملاقًا من عمالقة العرب ، اشتهر بضخامة جسده وصلابة قتاله ، قائد من قادة الفتوحات الإسلامية في فارس والعراق ، لعب دورًا بارزًا في معركة البويب الباسلة ، قاد جيوش المسلمين بعد استشهاد أخيه المثنى .

٤. عطارد بن حاجب :
صحابي من أصحاب رسول الله ﷺ ، وخطيب قبيلة تميم العربية ، وهو الرجل الذي قدمته تميم خطيباً في وفدها لرسول الله ﷺ ، أبوه حاجب بن زرارة صاحب القوس الشهيرة أيام الجاهلية ، وهي القوس التي رهنها عند كسرى فارس لكي يدخل ريف فارس ، ارتحل عطارد بعد موت أبيه إلى المدائن ليقابل كسرى فارس يطلب منه أن يرد له قوس أبيه ، كان اختيار عطارد لهذا الوفد اختيارًا مهمًا ، فإضافة لفصاحته ورجاحة عقله كان عطارد هو الشخص الوحيد من أعضاء الوفد الذي دخل قصر المدائن الأبيض ، سيصف لرفاقه في الوفد أثناء رحلتهم مدى عظمة بناء إيوان كسرى وكرسيه الذهبي وتاجه المرصع باللآلئ ، لكي لا ينبهر المسلمون بما قد يرونه في المدائن ، فيظهر عليهم ذلك .

٥. سهيل بن عدي :
من قادة الفتوحات الإسلامية في فارس والعراق ، كان من أهل الرأي والمشورة في وفد الأربعة عشر .

٦. فرات بن حيان :
صحابي من أصحاب رسول الله ﷺ ، وكبير من كبراء قبيلة بكر بن وائل ، وهو من أعلم العرب بالطرق ، كان بمثابة الدليل لوفد الأربعة عشر .

٧. حنظلة بن الربيع :
كاتب رسول الله ﷺ ، عُرف بحنظلة الكاتب ، أحد أشهر خطباء العرب في الجاهلية وفي الإسلام على حد سواء .

٨. المغيرة بن زرارة :
صحابي من أصحاب رسول الله ﷺ ، هو زعيم من زعماء قبيلة الأسد العربية ، عُرف بفصاحة لسانه ورجاحة عقله ، سيقوم بتلقين إمبراطور الفرس يزدجرد درسًا في فن العزة العربية والكبرياء الإسلامي .

٩. بُسر بن أبي رُهم :
أحد أبطال معركة الولجة مع خالد بن الوليد ، وكان فيها قائد أحد فكي عملية الكماشة المدمرة التي أطبقت على الجيش الفارسي لتهشم صفوفه .

١٠. عاصم بن عمرو التميمي :
أخو القعقاع ، ينتمي لقبيلة تميم العربية ، وكان كأخيه عملاقًا من عمالقة العرب ، كان من أبطال القادسية الذين تخصصوا باقتحام صفوف الفرس وقتل فيلتهم ، ومن قادة الفتوحات الإسلامية في بلاد فارس والعراق منذ بدايتها وحتى نهايتها .

١١. عمرو بن معدي يكرب :
لُقب بفارس العرب ، صاحب سيف الصمصامة الأسطوري أشهر سيوف العرب في التاريخ ، كان عملاقًا عظيم البنية ، قال عنه عمر بن الخطاب تعجبًا من عظيم جسده :
« الحمد لله الذي خلقنا وخلق عمروًا » .

١٢. المغيرة بن شعبة :
الحارس الشخصي لرسول الله ﷺ ، بطل من أبطال الفتوحات الإسلامية في فارس ، كان عملاقًا عظيم الطول ، وكان شعره طويلًا مسدلًا يزيد من هيبة شكله ، أستاذ التفاوض مع الفرس بلا منازع ، يتقن الفارسية بطلاقة ، ويتقن معها فن إذلال مجوس فارس .

١٣. الأشعث بن قيس :
ملك كندة قبل الإسلام ، وصحابي من أصحاب رسول الله ﷺ ، اسمه الحقيقي هو معد يكرب بن قيس بن معاوية الكندي ، غلب عليه لقب الأشعث ، عملاق من عمالقة اليرموك والقادسية على حد سواء .

١٤. الحارث بن حسان :
صحابي من أصحاب رسول الله ﷺ ، وهو الرجل الذي سأله رسول الله ﷺ عن حديث عاد قوم هود وكيف هلكوا بالريح العقيم ، كان سيدًا من سادات ذهل بن شيبان من بني بكر بن وائل ، وكان عملاقًا عظيم الطول ، وهو من أهل المهابة في ذلك الوفد .

ثم قام سعد رضي الله عنه باختيار أجود الخيول العربية الأصيلة لوفد العمالقة الأربعة عشر ، وقام هؤلاء بلبس أفضل الملابس ، وتقدموا ليعبروا بوابة المدائن عاصمة الإمبراطورية الفارسية الساسانية ، والأرض من تحتهم ترتج ارتجاجاً ، فخرج عامة الفرس من على أسطح منازلهم وشرفات نوافذهم وتدافعوا في طرقات المدائن لكي يلقوا نظرة على أولئك العمالقة الذين لم ترَ فارس في تاريخها رجالًا مثلهم ، وقد وصفت لنا ذلك المنظر الأسطوري لعمالقة العرب الموحدين إحدى النساء الفارسيات اللائي أسلمن بعد ذلك بقولها :
« فوقفنا ننظر إليهم ، والله ما رأينا أربعة عشر مثلهم قَطُّ يعادَلون بألف ، وإن خيولهم لتنفث غضبًا وتضرب في الأرض ، ووقعت في قلوبنا المهابة ، وتشاءمنا » .
وتقدم وفد العمالقة الأربعة عشر بقيادة القائد النعمان بن مُقرِّن رضي الله عنه حتى وصل إلى مجلس كسرى يزدجرد فقال لهم كسرى الفرس بواسطة ترجمانه :
« ما جاء بكم ودعاكم إلى غزونا والولوغ ببلادنا ؟
أمن أجل أنا تشاغلنا عنكم اجترأتم علينا ؟ »
فنظر النعمان بن مُقرِّن بكل أدب وتواضع إلى بقية أعضاء الوفد المنضوي تحت قيادته وقال لهم :
« إن شئتم أجبته عنكم وإن شاء أحدكم أن يتكلم آثرته بالكلام » .
فقالوا :
« بل تكلم » .
ثم التفتوا الى كسرى بكل عزة وقالوا له :
« هذ الرجل يتكلم بلساننا فاستمع إلى ما يقول » .
فقام صاحب رسول الله ﷺ النعمان بن مُقرِّن رضي الله عنه فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال لإمبراطور الفرس كسرى يزدجرد :
« إن الله رحِمنا ، فأرسل إلينا رسولاً يأمرنا بالخير وينهانا عن الشر ، ووعدنا على إجابته خيري الدنيا والآخرة ، فلم يدع قبيلة قاربه منها فرقة ، وتباعد عنه منها فرقة ، ثم أمر أن نبتدئ بمن خالفه من العرب ، فبدأنا بهم ، فدخلوا معه على وجهين مكره عليه فاغتبط ، وطائع فازداد ، فعرفنا جميعًا فضل ما جاء به على الذي كنا عليه من العداوة والضيق ، ثم أمر أن نبتدئ بمن جاورنا من الأمم ، فندعوهم إلى الإنصاف ، فنحن ندعوكم إلى ديننا ، وهو دين حَسَّن الحسن ، وقبَّح القبيح كله ، فإن أبيتم فأمرٌ من الشر أهون من آخر شر منه : الجزية ، فإن أبيتم فالمناجزة ، فإن أجبتم إلى ديننا خلَّفنا فيكم كتاب الله ، وأقمنا على أن تحكموا بأحكامه ، ونرجع منكم وشأنكم وبلادكم ، وإن بذلتم الجزاء قبِلنا منكم وشأنكم وبلادكم ، وإن بذلتم الجزاء قبلنا منكم ومنعناكم وإلا قاتلناكم » .

لم يصدق كسرى يزدجرد ما سمعه للتو من النعمان بن مُقرِّن رضي الله عنه ، فلم يعتد أكاسرة الفرس أن يسمعوا قولاً بهذه العزة من أحد من رعيتهم أو من رسولٍ من رسلِ الإغريق أو الرومان ، وكأن كسرى يزدجرد لم يعلم أنه أمام فارس بدوي تربى منذ الصغر في صحراء العرب أن الموت من أجل شرفه أهون عليه من الحياة ذليلاً ، فجاءه الإسلام ليزيده عزة فوق عزة ، وإباءً فوق إباءٍ ، لم يفقه العلج الفارسي أنه أمام بشرٍ من نوعٍ آخر ، لم يفقه المسكين أنه أمام تلميذٍ من تلامذة محمد بن عبد الله ﷺ ، فهو أمام صحابي من الصحابة الكرام ، فاستشاط يزدجرد غضبًا وقال للنعمان والغيظ يكاد يتفجر من عينيه :
« إني لا أعلمُ أمةً في الأرض كانت أشقى منكم ولا أقل عددًا ولا أشد فُرقةً ولا أسوأ حالًا ، وقد كنا نكِل أمرَكم الى ولاة الضواحي فيأخذون لنا الطاعة منكم ، ولا تطمعون أن تقوموا لفارس ، فإن كان غرورٌ لحقكم فلا يغرنكم منا ، وإن كان الفقر ، فرضنا لكم قوتًا إلى خصبكم ، وأكرمنا وجوهكم ، وكسوناكم ، ومَلَّكنا عليكم ملكًا يرفق بكم » .

عندها جاء الدور على صحابي آخر من صحابة رسول الله ﷺ ليُلقِّـن كسرى فارس درسًا سيظل محفورًا في ذاكرة المجوس إلى يوم الناس هذا ، ليجعلهم يكرهون كل ما يمت للعروبة والصحابة الكرام بصلة ، جاء دور أسد من أسود قبيلة الأسد العربية ، فقد جاء الدور هذه المرة على المغيرة بن زرارة الأسدي رضي الله عنه ، فنظر إلى كسرى يزدجرد بكل برودة أعصاب ووقف يرد على استهزائه بالعرب :
« يا كسرى فارس ، إنك وصفتنا صفة لم تكن بها عالمًا ، فنحن كنا أسوأ من ذلك بكثير » ، ثم ذكر المغيرةُ ما كان عليه العربُ من أمور الجاهلية وكيف جاء الإسلام فنقلهم إلى ما هم عليه الآن ، وذكر مقالةً كمقالة النعمان ، ثم ختم كلامه مخاطبًا كسرى فارس مباشرةً :
« فاختر إن شئت الجزية عن يد وأنت صاغر ، وإن شئت فالسيف ، أو تُسْلِم فتُنجي نفسك » .

فقال كسرى :
« وما معنى صاغر ؟ » .

فقال المغيرة بن زرارة بكل عزة : « أن تعطي الجزية ونرفضها ، فتعطيها فنرفضها ، فترجونا أن نقبلها ، فنقبلها منك » .

فصُعِق كسرى من هول ما يسمع فقال للمغيرة مهددًا :
« أتستقبلني بمثل هذا ؟ » .

فقال له المغيرة بن زرارة بكل ثبات :
« إنك أنت الذي كلمتني ، ولو كان كلمني غيرُك لاستقبلته به » .
فغضب كسرى فارس أشد الغضب ، ولكنه سرعان ما تمالك غضبه ليقول للمسلمين :
« لولا أنّ الرسلَ لا تُقتَل لقتلتكم ، اذهبوا لا شيء لكم عندي » .

ثم طلب يزدجرد من حرسه أن يملأوا كيسًا كبيرًا من التراب وأن يحملوه على ظهر أشرف عضوٍ من أعضاء الوفدالعربي الإسلامي ظنًا منه أنه بذلك سيهينهم ، فتقدم عملاق بني تميم عاصم بن عمرو التميمي نحو كسرى وحرسه وقال لهم :
أنا أشرفهم !
احملوه علي !
فاستغرب كسرى من هذا العربي الذي تطوع بنفسه لكي يقبل إهانة كسرى ، أو هكذا ظن العلج !

فخرج العمالقة الأربعة عشر ، وعاصم يحمل وقر التراب مسرعًا كأنه يحمل كنزًا ثمينًا ، فجاء قائد جيوش إمبراطورية فارس إلى كسرى ليعلم منه ما دار بينه وبين وفد العرب ، فقال كسرى لرستم :
« ما رأيتُ قومًا مثلَهم من قبل ، ولم أكن أعلمُ أنّ العربَ فيهم مثلُ ذلك ، ولكن أشرفهم كان أحمقهم ! » .

فقال رستم : « لِمَ ؟ » .

قال يزدجرد ساخرًا :
« سألتُهم من أشرفهم حتى أُحمِّله وِقْرًا من تراب ، فخرج أحدهم متطوعًا وقال أنا أشرفهم ! » .

فقال رستم وقد صُعِق من هول ما سمع :
« بل هو أعقلُهم ، لقد أعطيتَه للتو أرض فارس ، يَا للشُّؤم ! » .

عندها اسود وجه يزدجرد ، وأدرك أنّ أرضَ فارس صارت بأيدي المسلمين ، فنادى على جنوده وأمرهم بأن يلحقوا بعاصم ويُرجِعوا منه كيس تراب أرضهم ، إلا أنّ سيفَ عاصم كان قد سبق عذل رستم ، فقد طار عملاق بني تميم إلى سعد بتراب أرض فارس ، ليجعله بين يدي سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه ، فاستبشر سعدٌ ، واستبشر المسلمون ، وكان ذلك مقدمة لنصر القادسية العظيم .

من كتاب مائة من عظماء أمة الإسلام غيروا مجرى التاريخ .