لا شيء يعكر صفو كوب حليب ساخن في هذه الأيام الباردة سوى ذلك الغشاء الغريب الذي يشبه في تجاعيده بشرة امرأة مسنة!
كيف تتكون هذه الطبقة الجلدية؟ ولماذا؟ وعلى ماذا تدل؟
حسناً لايوجد الكثير من التعقيد في الموضوع، كما تعلمون يعد الحليب من أغنى السوائل بالعناصر الغذائية المهمة والتي تكون ذائبة ومنسجمة بشكل جيد في الماء مكونة هذا الشراب السحري. عندما تمسك أي علبة حليب ستجد الماء في قمة قائمة مكوناتها الغذائية حيث يكون الماء ٨٦٪ من محتوى الحليب، وتجد أن الدهون تكون ما نسبته تتراوح بين ٣٪ إلى ٥٪، ويكون البروتين قرابة الـ٢.٥٪. وهذه هي أهم العناصر التي تلعب دوراً أساسياً في تكوين هذا الغشاء، الدهون والبروتين.
كما ذكرت، تكون هذه العناصر ذائبة جيداً في الماء وموكنة روابط كيميائية قوية مع بقية العناصر بحيث لايمكن تميزها، لكن الحليب وكما نعرف يمر بالعديد من مراحل المعالجة كالبسترة وغيرها من الطرق التي تعتمد على الحرارة في عدة مراحل متلاحقة من التسخين في درجات تصل إلى ١٤٥ درجة مئوية، هذه الحركة كفيلة بفصل هذه العناصر وتفكيك روابطها القوية مع الماء، وأسرع هذه المواد انفصالاً هي الدهن والبروتين. وحين يصل هذا الحليب المبستر إلى بيوتنا يصل بشكل مختلف عما كانت عليه عند الحصول عليه طازجاً من البقر، .فقد أصبح تكركيبه أقل تماسكاً وأصبحت جزيئات البروتين والدهون قد تبلورت وبدأت تسبح مستقلة في الحليب. عندما نسخن الحليب ويصل إلى درجة الغليان، ستصعد هذه البلورات إلى سطح السائل وتبدأ بالتشكل والترابط مع البلورات الأخرى مكونة غشاء الحليب. إذاً هذه الطبقة تشأ نتيجة التدخل الصناعي وليست خاصية طبيعية فيه ولن تجدها في حليب الأبقار الطازج!
على ماذا يدل هذا الغشاء؟

قد يرتبط هذا الغشاء في عقول البعض بالرداءة، وهذا الكلام غير صحيح، حيث لا يمكننا القول بأن نوعية الحليب رديئة عند مشاهدة هذه الطبقة، ولكنها إن دلت على شيء فإنها تدل على أن الحليب عولج بالحرارة بشكل جيد. وتزداد نسبة هذا الغشاء وسماكته كلما زاد الدسم في الحليب، أي أن هذه الطبقة ستكون في الحليب كامل الدسم أسمك منها في قليل الدسم وتكاد تنعدم في منزوع الدسم.
لا يحب الكثيرون هذه الطبقة ويرونها شيئاً مزعجاً، لكن العكس يحدث في بعض البلدان فالناس هناك يحبونها ويستمتعون بقوامها القشدي! بل ويصنعون أطباقاً شعبية منها، كطبق (سو) في اليابان!. أنا شخصياً ممن لا يحبونها، وأعدها مزعجةً بل ومقززة أحياناً. لكنني الآن أعرف أنها مجرد طبقة من البروتينات التي كان من المفروض أن تكون ذائبة في الحليب وليس هناك ما يدعوا للقلق، سأستمتع بكوب الحليب الساخن في المرة القادمة دون التفكير بها.