السؤال السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
جزاكم الله خير على ما تقدمونه لخدمة الإسلام والمسلمين.
أبي مريض بأمراض عديدة منها الشلل، فهو لا يستطيع المشي والحركة، وأصابه خرف، أنا مع والدتي نقوم بكل ما يحتاجه من العناية، المشكلة كيفية التعامل مع أبي فهو سريع الغضب وكثير الصراخ في البيت، أحيانا أضطر أن أغضب عليه حتى يسكت، وأحيانا أعامله بالقوة، وهذه المعاملة تجعله يفهم ما نريده، لكنني أندم على ذلك لأنني أحب والدي كثيراً، ما هي أفضل طريقة للتعامل في مثل هذه ظروف؟ وهل أنا أكون مذنبا عندما أغضب على أبي وأعامله بالقوة؟ مع العلم كل ذلك يكون غصبا عني، أفيدوني بارك الله فيكم.


الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عبد الله حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،

فلا ريب أن هذه الأحوال التي تمر بكم هي أحوال ليست بالعادية، بل هي من جنس المصائب التي يبتلي بها الله عباده، ومن المعلوم أن الإنسان إذا أصابه كبر السنَّ فربما يتعرض لذهاب بعض عقله أو ذهابه تماماً، فحينئذٍ يصبح التعامل معه فيه شيء من العسر، وكذلك شيء من الحرج، خاصة وأنه ربما يصدر منه تصرفات في غاية الإحراج وفي غاية الإزعاج، من صراخٍ وبكاء، بل وربما يخرج الإنسان الكبير إلى حدٍ يصبح فيه كالمجنون تماماً، بحيث أنه يتصرف تصرفات مؤذية لنفسه وغيره، كما هو معلوم ومشاهد.

والمقصود أن أول نصيحة نُقدمها لك ولوالدتك الكريمة في هذا الظرف الذي أنتم فيه هي (الصبر) نعمْ، الصبر بما تحمله هذه الكلمة من معنى.

فأنتم بحاجةٍ للصبر على هذه التصرفات التي ربما تقلق عليكم عيشتكم وراحتكم، وبحاجة إلى الصبر على الإحراج أمام الضيوف وأمام الأقارب والجيران، وبحاجة للصبر على قضاء الله، وإن كان فيه شيء من الألم والمرارة.

فبالصبر تتخطون هذه المرحلة العصيبة، وكذلك تطيب أنفسكم بحكم الله وقضاءه.

والنصيحة الثانية في هذا المقام: هي معرفة أنكم في اختبار وابتلاء من الله تعالى، فهاهو الوالد العاقل المتزن يتحول إلى رجلٍ ناقص العقل مختل التصرفات، فهل تتحملونه وتصبرون عليه، أم سترفضونه وتتضجرون منه ومن حياته فيكم؟ فهذا هو الابتلاء والاختبار.

هل ستتحمل والدك في كبره، وقد ضعف عقله، واهتزت قوته، وصار كالطفل الصغير؟ أم ستتنكر له وسوف تهينه وتذله؟ فهو إذن اختيار قوي لك ولأمك التي هي زوجة هذا الشيخ الكبير الذي صار كالطفل الصغير في عقله.

فمعرفتكم أنكم في امتحان وابتلاء يُعينكم على الصبر على الوالد المسكين الذي أصابه هذا البلاء، ولا حول ولا قوة له في دفعه أو إزالته عن نفسه.

فعليكم إذن أن تكونوا مستعدين لهذا الاختبار الذي يريد الله منكم فيه أن تطيعوه ولا تعصوه، بل تكونوا كما يحب هو ويرضى جل جلاله.

والنصيحة الثالثة : أن تتذكر أنت ووالدتك الكريمة عظيم الأجر الذي سوف تنالونه -إن شاء الله- بصبركم على هذا الوالد، وبإحسانكم إليه، فلا ريب أن عِظم الجزاء مع عظم البلاء، وقد قال تعالى: {إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أفٍ ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريماً}.

فتأمل يا أخي كيف نبّه الرب جل وعلا على الإحسان للوالدين، وخص بذلك حالة الكبر {يبلغن عندك الكبر} وما ذلك إلا لأن الإنسان يضيق بوالديه في حال كبر سنهما ويتضايق منهما، كما هو معلوم، ثم قال: {فلا تقل لهما أفٍ ولا تنهرهما} وهذا هو جواب سؤالك عندما سألت هل تكون مُذنباً عندما تعامل والدك بقوة أو تغضب عليه؟ فالجواب هو جواب الله: لا تقل لهما أفٍ ولا تنهرهما، أحسن إليهما وقل لهما قولاً كريماً.

فالواجب عليك هو التوبة مما صدر منك تجاه والدك المريض المسكين الذي يتصرف بلا وعي منه، فبادر إلى التوبة إلى الله من كل معاملة سئية صدرت منك في حق والدك، وتأمل لو أنك كنت أنت مكانه، أتحب أن يُعاملك ولدك الذي ربيته وحنوت عليه بهذه المعاملة؟!

فاحذر من الإساءة إلى والدك، واصبر عليه، وحاول أن تتعاون مع أمك في الخروج من هذه الحالة بكثرة الذكر لما أعده الله من الثواب والجزاء لكم إن أنتم أحسنتم إلى هذا الوالد وقمتم بما يرضي الله في حقه.

نسأل الله تعالى أن يوفقكم لما يحب ويرضى، وأن يغفر لنا ولكم.


المجيب :أ/ أحمد مجيد الهنداوي