السؤال كيف أقيم علاقة مع أصحابي تدوم مدى الحياة؟ مع العلم بأن أصحابي يحبونني ولكن غالبا أشعر أني وحيد وحتى الآن لا يوجد لي صديق قريب لي. أرجو إرشادي.



الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم


الأخ الفاضل/ عبد العزيز حفظه الله.


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،



فإن هذا المقصد الذي ذكرت أنك تسعى لإيجاده، هو مقصدٌ سليم ومطلبٌ فطري يحتاجه عامة الناس، فإن الإنسان بطبعه يحب أن يكون له صديق يأنس به، ويبث له همومه وأحزانه، وأيضاً يشاركه في أفراحه ومسراته، وهذا أمرٌ لا يمنع منه دين الله، بل يحث عليه ويرغب فيه.



وقبل أن نذكر طريقة بناء علاقة دائمة مع الرفاق والأصحاب، لا بد أن تنتبه إلى أمرٍ مهم غاية الأهمية، وهذا الأمر يتعلق بصفات وأخلاق الصديق الذي تنوي بناء العلاقة معه.



فلا بد أن يكون الإنسان الذي تختاره صديقاً وصاحباً لك، أن يكون متصفاً بالدين والاستقامة، فأما مجرد أنك تميل إليه ويميل إليك فهذا ليس كافياً لإقامة صحبة وصداقة وعشرة بينكما.



وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل)، ومعنى الحديث أن الإنسان يتأثر بصحبة غيره، فلا بد إذن أن نختار الصاحب المستقيم الذي يزيدنا خيراً ولا يضرنا في ديننا، وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا تُصاحب إلا مؤمناً) وقد قال تعالى: {الأخلاء يومئذٍ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين}ومعنى الأخلاء: أي الذين كان بينهم صحبة ومودة ومخالطة، فيشمل الأصدقاء والرفاق والأصحاب.



الأمر الثاني: أن يكون الصديق الذي تود اختياره صاحب خلق، فلا بد أن يكون صديقك من أصحاب الأخلاق الفاضلة، المبتعدين عن الأخلاق السيئة الدنيئة، وإن عاشرت أهل الخير صرت منهم، واكتسب من أخلاقهم، وإن عاشرت أهل الشر فإنهم يؤثرون عليك، بحيث تكتسب من أخلاقهم وأحوالهم، كما هو معلومٌ ومجرّب.



فإذا توفر هذان الشرطان (الدين القيم، والخلق الطيب) فحينئذٍ تبدأ في محاولة بناء العلاقة الطيبة بينك وبين هذا الصاحب؛ ليصير بعد ذلك صديقاً عزيزاً يُشاركك في أفراحك وأحزانك، وتشاوره فيما تحتاج إليه.



وأعظم سبب على الإطلاق يربط بين الصديق وصديقه هو الحب في الله، بل إن الحب في الله يجعل الصديق يحب صديقه أكثر من أخيه الذي ولدته أمه، كما قيل: (رب أخٍ لك لم تلده أمك)، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله) ومعنى الحديث أن أقوى الروابط هي الحب في الله والبغض لأجل الله.



وطريق بناء هذه المحبة بأن تختار من توفرت فيه الصفات المطلوبة، ثم تقوم بمجالسته من حين إلى آخر، بالتودد إليه عن طريق الكلام الطيب المتزن، الخالي من التكلف والتصنع، مع مراعاة الأدب المطلوب، ويكون هذا التودد مثلاً بأن تدعوه مثلاً لتناول طعام الإفطار معاً، أو لتناول شيء من الشراب، أو بإهدائه بعض الهدايا المناسبة، ككتاب مُفيد، أو شريط لإحدى المحاضرات، مع التطرق إلى بعض الاهتمامات المشتركة كأمر الدراسة، أو أمور الدعوة إلى الله، وبعض الأحداث التي تُشغل المسلمين ونحو ذلك، مع التنبيه إلى عدم التسرع والاندفاع في بناء مثل هذه العلاقات، كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أحبب حبيبك هوناً ما عسى أن يكون بغيضك يوماً ما) ومعنى الحديث: أن الإنسان عليه أن يكون مُتوسطاً في عواطفه غير مندفع فيها، مع الحذر من أن ينقلب هذا الصديق إلى عدو لدود فتحصل المضرة بذلك، كما هو معلوم من أحوال الناس وتجاربهم، ومما يُعين جداً في هذا الموضوع سؤال الله وطلبه المعونة على أن يرزقك صديقاً صالحاً مُخلصاً يُعينك على طاعة الله، فإن الصديق الصالح من ضمن أرزاق الله التي يقسمها بين عباده.



نسأل الله لك التوفيق والسداد.




المجيب :أ/ أحمد مجيد الهنداوي