السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم الذي لا يحمد على مكروه سواه، أما بعد:
فإني تبت لله واستقمت والحمد لله على تلك النعمة, والآن أمر بظروف صعبة, لك أن تتصور أني أقضي الأربعة أيام دون أن آكل شيئا، ويجب علي دفع الكراء، وأنا في الغربة وليس لي أحد سوى الله هو مولاي, فاستخرت الله هل أواصل الدراسة، فمن الغد لم أستيقظ للدراسة، مع العلم أني في العادة لا أتغيب، فما معناه؟
بارك الله فيك.


الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ العزيز/ محمود حفظه الله!
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد،،،

فبداية فإننا نهنئك تهنئة عظيمة على ما من الله به عليك من التوبة الصادقة، والتي نسأل الله أن يثبتك عليها، وأيضاًَ فنحن كذلك نبشرك برحمة الله التي جعلها لعباده التائبين حيث قال تعالى: {والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون* أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم وجنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ونعم أجر العاملين}، فأبشر – إن شاء الله تعالى – بمغفرة الله وفضله وسعة رحمته كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (التائب من الذنب كمن لا ذنب له، التائب من الذنب حبيب الرحمن) ونسأل الله لك الثبات على هذه التوبة حتى تلقاه تائباً منيباً إليه.

وأما عن هذه الظروف الشديدة القاسية التي تمر بها في هذا الحين، فلا ريب أنها ظروف صعبة، ومؤلمة أيضاً، ولا بد لك فيها من مخرج وحل، والظاهر من حالك أنك إذا رجعت إلى بلدك، فإنك سوف تكون أحسن حالاً، بحيث إنك سوف تعيش مع أهلك وأقاربك وأيضاًَ ستجد وسيلة العيش المقبولة التي تخرجك مما أنت فيه من هذا الضيق وهذه الشدة.

ولا ريب أن بقاءك الأيام الطوال والليالي المتتالية دون طعام يسد جوعك مع عجزك عن مقومات الحياة من السكن وغيره، فلا ريب أن في هذا ضرراً متحققاً شديداً عليك، بل إن هذا الضرر قد يتعدى بك إلى الوقوع في بعض المحرمات، أو على الأقل في بعض التصرفات التي لا تليق بحالك ودينك وكرامتك، كأن تسأل الناس وتمد يدك إليهم، ومع هذا فقد تجد ما تطلبه منهم وقد لا تجده.

وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (( لا ينبغي للمؤمن أن يذل نفسه يتعرض للبلاء بما لا يطيق)) ومعنى هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أن المؤمن عزيز النفس كريم القلب، فلا يكون منه ولا يصح له أن يتعرض للذل والمهانة وهو قادر على أن لا يتعرض لذلك، بل الذي ينبغي له هو صيانة نفسه والحفاظ على كرامته ما استطاع إلى ذلك سبيلاً، مضموماًَ إلى ذلك أنك قد استخرت الله فوقع لك أن تغيبت عن الدراسة وقد قال العلماء: ما خاب من استخار وما ندم من استشار.

والمقصود أن رجوعك إلى بلدك ومحاولة التكسب فيها وطلب الرزق الحلال، مع الحرص على إتمام تعليمك إن أمكن ذلك، هو خير لك من أن تظل في هذا الوضع الضيق الشديد، الذي ربما يقودك إلى خسارة دينك ودنياك، ونحن نؤكد عليك بضرورة الحزم والجدية في اتخاذ القرار السليم برجوعك إلى أهلك حتى لا تعرض نفسك للوقوع في أخطاء شرعية ودنيوية، فإن الإنسان إذا ما أصابته المصيبة واضطرته الحاجة فقد يرتكب الحرام، بل وربما يزيد في فعله وارتكابه نظراً لحاجته وضرورته، وهذا هو نفسه الذي سماه صلوات الله وسلامه عليه بالفقر المنسي أي الفقر الذي يجعل الإنسان ينسى أمر ربه ويغفل عن شرعه، كما قال صلوات الله وسلامه عليه (بادروا بالأعمال سبعاً هل تنتظرون إلا فقراً منسياً...) أخرجه الترمذي وهو حديث صحيح.

وأيضاً فنحن نوصيك بدوام التضرع إلى ربك ودوام الالتجاء إليه فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أهمه أمر فزع إلى الصلاة لكي يناجي ربه ويتقرب إليه ويستعين به على دفع ما أهمه، ونسأله جل وعلا أن يثبتك على الحق المبين، وأن يفرج كربتك وأن يزيل همك وأن يشرح صدرك للحق، آمين.


المجيب : أ/ أحمد مجيد الهنداوي