لو سألنا كل زوج: هل أنت مرتاح من الطرف الآخر ؟
أو سألنا صديقا: كيف علاقتك بصديقك؟
أو ابنا: هل أنت مرتاح من والديك؟
أو سألنا أي شخص عن علاقته بشخص عزيز عليه، لذكر لنا قائمة من الملاحظات والسلبيات للطرف الآخر أيا كان هذا الآخر ، حتى لو كان صديقه العزيز الذي لا يستغني عنه، وهذه هي سنة الحياة.
فالناس تتعايش فيما بينها بالمجاملة والمداراة، لكن بعض الناس يتفننون في قطع العلاقات وكأنهم يحملون مقصا كبيرا في أيديهم، كلما تضايقوا من علاقة قطعوها بهذا المقص، ولهذا أحببت أن أكتب عن الوسائل والقواعد التي تساعدنا في استمرار العلاقات الاجتماعية وتحافظ على حبنا رغم الاختلافات في الطباع والأذواق والسلوك، وهي ست قواعد على النحو التالي:
أولا : أن نركز على ايجابيات الطرف الآخر ونتغاضى عن سلبياته، وهي مهارة مهمة للتعايش والحفاظ على الحب، وأذكر يوما اشتكى لي زوج من عناد زوجته، وقال لي: إن هذا العناد يجعلني أكرهها، فقلت له: وما الصفات التي تتميز بها زوجتك؟ فقال: طيبة قلبها، وحرصها على تربية أبنائها، وعلاقتها بأهلي ممتازة جدا، وبدأ يعدد لي ايجابيات كثيرة، فقلت له: ومتى تشعر بعنادها؟ فقال: عندما نتحاور في مسائل خاصة بتربية الأطفال، فقلت له: طالما أنك مدحتها وتثق فيها ولها ايجابيات كثيرة ففوض أمر التربية لها، ولا تتحدث معها في هذا الموضوع إلا عندما ترى خطأ كبيرا، فتكون قد استثمرت ايجابياتها وتغاضيت عن سلبياتها فتستمر علاقتكما وتحافظ على حبكما، فذهب ثم قال لي بعد فترة: الحمد لله نجحت الخطة.
ثانيا: كن مستعدا للاعتذار والمسامحة، فإذا كنت أنت المخطئ فمن الواجب عليك الاعتذار ، وإن لم تكن مخطئا فقد يكون اعتذارك سببا لعودة العلاقة واستمرارها. ففي الحالتين تكون أنت المبادر ولك الأجر وتحقق هدف استمرار الحب والعلاقة، إلا في حالة لو كان الطرف الآخر دائم الخطأ ويتعامل معك باستصغار وإهانة، ففي هذه الحالة لا تستمر في الاعتذار له في حالة خطئه.
ثالثا: لا تعامل أصدقاءك وأحبابك بالمثل فتعطيهم إذا أعطوك وتقطعهم إذا قطعوك، بل أعطهم أكثر مما تأخذ منهم وكن أنت المتفضل عليهم. فكثير من الناس لا يحسنون فن العطاء والمبادرة، لكن عندما نتعامل معهم بهذه الطريقة يتحرك احساسهم نحو مسؤولية المحافظة على العلاقة. أما من نشعر منه بأنه دائما يريد أن يأخذ ولا يعطي، ففي هذه الحالة لا بد أن نكون واعين ونتعامل معهم بميزان الحقوق والواجبات التي فرضها الله تعالى من غير زيادة.
رابعا: مهما حصل خلاف بينك وبين الطرف الآخر -سواء كان زوجا أو صديقا أو قريبا- فاحرص على ألا تحمل في قلبك حقدا أو كراهية ضده، وأهم خطوة تتخذها في مثل هذه الحالة بعد توصيل رسالتك له أن تفوض أمره لله، والله يتكفل بمحاسبته، حتى نحافظ على قلبنا نقيا طاهرا، ونكون من أصحاب القلوب السليمة المرشحة لدخول الجنة، كما وصف الله تعالى في قوله: (يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم).
خامسا: إن المرح والممازحة ومهارة فن النكتة والطرفة هي ملح العلاقة، وتضفي للعلاقة جوا جميلا يساهم في استمرار المحبة بين الطرفين. وقد نصحت صديقا بهذه الوسيلة عندما اشتكى لي من كآبة جو الأسرة، وقال لي: أنا شخصية جادة ولا أحسن فن النكتة، فقلت له: اليوم صار الأمر سهلا، حاول أن تستفيد من شبكات التواصل الاجتماعية ففيها قصص وطرائف كثيرة، فصار كل يوم يحفظ موقفا طريفا يقوله لزوجته وأبنائه، فصارت زوجته تنتظر هذه اللحظات كل يوم وتحسنت علاقته بها، ويقول: حتى أبنائي صاروا يحبون الجلوس معي بعدما كانوا يهربون مني.
سادسا: الدعاء، الدعاء، الدعاء، فالدعاء سلاح مهم لاستمرار المحبة بين الطرفين، فيدعو الزوجان أو الوالدان أو الأصدقاء ربهم -عز وجل- باستمرار العلاقة وزيادة المحبة، لأن الله تعالى هو الذي يؤلف بين القلوب ويرققها لبعضها، قال تعالى: (لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم إنه عزيز حكيم). فهذه ست قواعد مهمة ومجربة في الحفاظ على المحبة واستمرار العلاقة بين الطرفين، فلو رزقت بصديق بار أو زوجة مخلصة أو زوج صادق أو ابن صالح، فهذه من كنوز الدنيا التي تعوضك عن ذي الرحم، والإنسان يحتاج الصاحب ولا يستغني عنه حتى يساعده ويعينه في التخفيف من أزمات الحياة ومحنها. ولو تأملنا دعاء السفر لوجدنا فيه أن النبي الكريم (صلى الله عليه وسلم) وصف الله بالصاحب، قائلا: (وأنت الصاحب بالسفر). فخير صاحب لنا هو الله تعالى في السفر والحضر يعيننا ويفرج همنا ويسهل علينا الصعب، وتحلو الدنيا أكثر لو كان للإنسان صاحب في السماء وصاحب في الأرض. وبالمناسبة فقد وصف الله تعالى (الزوجة بالصاحب) عندما قال سبحانه: (يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه). ونلاحظ هنا الترتيب في العلاقات، فالأخ والوالدان هم الأقرب، ثم الزوجة والأبناء فهم الأحب، وأهم شيء نعمله الآن ألا نحمل مقصا كبيرا معنا.