مرحباً بك زائرنا الكريم .. لك حرية الإستفادة والنشر
يـوم العـيــد*يـوم العـيــد ( قصة قصيرة )*
قصة قصيرة
(1)
لأوَّل مـرة يخرُجُ من بيته ، ولا ينظُرُ للنَّخلة التي غَرسَ فسيلتَها جدُّه الأوَّل ، ورعاهـا أبناؤه وأحفادُه ، واستطْعَم ثمرَها سنـينَ عديدةً ، إلاّ منْ بضْعةِ أعـوامٍ مضَتْ ، إذْ عادَتْ لا تطــرحُ ثَمرًا ، فتعاظـَـمَ حـزنـُه ، واشـْتدَّ ألمـُه ، ولم يفقدْ الأملَ . ظلَّ يرعاها
ويمنحُها معظَمَ وقتِه ، إلا هذهِ اللَّيـلة ، فالوقتُ أمامَه قصيرٌ ، وعليه شراءُ حاجـاتٍ كثيرةٍ ، أهمُّها الفواكهُ ، فأكثرَ منَ الرُّمَّان الذي كانَ يحبُّه ابنَه ، ومنَ التُّفَّاح الذي كانَت تفضِّلُه ابنتُه ، ومن الحَلوَى و " الرَّهَش" (1) ، وأمضى ليلتَه ينظِّفُ مجْلسَه ، ويعدُّ المائدةَ .
(2)
على غيـرِ عادتِه ، نهَضَ منْ على فِراشِه ، أيَقظَ خادِمَهُ ، ثمَّ رجعَ إلى غرفتِه ، تعطَّر ، لبِسَ ثيابًا جديدةً ، وخرجَ مَزهُوًّا يتَّكئُ على عصا جدِّه .
في مُصلَّى العيِد .. جلَسَ في نفسِ الْمَكانِ ، الذي كانَ يَذهَبُ إليْهِ مُنْذُ صغره معَ والِده وجدِّه .. تفرَّسّ في الوجوهِ القاِدمةِ ، وفي وجـوهِ الجالسـين عن يمينِه ويسارِه ، يُبـادرُه القـاعدون بالتَّهنئة ، ويسْألُه آخرون عن سِرِّ الشَّجنِ الذي يكسو وجهَه .
اكتظَّ المكانُ بالمصلِّين ، نهَضَ الحشْدُ للصَّلاة ، فعلَ مثلَهم ، بدأَ الإمامُ في إلقاءِ خطبَةِ العيدِ ، وظلَّ ينظُرُ من حينٍ لآخَر ، في وجوهِ الجالسين ، لعلَّه يجِدُ ناسَه (2) 0
(3)
بـدأَ الناسُ في الخروج منَ المْسجـدِ ، تشبَّثَ في مكانِه ، يحمْلقُ في الوجوه ، تـنتابُه الرَّغبة في العَويل ، وهو يتفرَّسُ في الماِّرين أمامَه حتَّى رآهم ورأَوْهُ ، ترقرقـَتْ الدُّموعُ في عينيْه ، هَـمَّ إليهم ، واصَلوا المشْيَ خارجين من المسجِدِ 00 يحَدِّثُ بعضُهم بعضًا 0
(4)
رجــعَ إلي بيتـِه ، يتملَّـكُه الحـزْنُ ، لامَسَتْ أذُنُه جـذعَ النَّخلــةِ ، ضَربَه بقبضةِ يـدِه ، اقشعـَرَّ بدنُه ، انتابَه إحساسٌ ضاعَفَ منْ حزنِه ، ضرَبَه ثانيةً وثالثةً و رابعةً 00 صدقَ حـدْسُه في أنَّ الجـذعَ أجـوفُ ، وتمتـمَ :
"حسبيَ اللهُ ونعمَ الوكيلُ" 0
(5)
وحـدَه أمامَ المائدةِ ، على غيرِ هُدًى ، يقطعُ بيدينِ مُرتعشتين مـنَ الرُّمَّان والتُّفَّاح ، وبعنفٍ يغرسُ السِّكينَ في الحَلْوى والرَّهَش ، دخلَ عليه خـادمُه ، مسحَ دمعةً التمعَتْ على خدِّه .. تنحنحَ خادمُه : " بابـا 00 أنا واجِدْ فيه تعبان ، بابا يروح ينام ولاّ يوقف علشان إنتَ ؟ " ولم يردّ ، ظلَّ لـوقتٍ يُمعِنُ النَّظر في المائـدة ، قبلَ أنْ يشيرَ إليِه بأنْ يقتـَرِبَ ، ويجلسَ بمحاذاتِه ، ويشاِركَه في طعامِه .